يعنى بالسرد القصصي والروائي
حسين بن قرين درمشاكي
كاتب وقاص | ليبي
تراقصت أطياف الجياع هزيلة، كأشباحٍ شفافة تتهادى. دوت صرخة من عمق غزة. لم تكن مجرد أنين ألم، بل كانت رقصة احتضارٍ لجثثٍ تفحمت، تناثرت شظاياها المتوهجة بين أنياب اللهب المستعر. تبعثرت أشلاء آدمية، كانت قبل لحظات جسدًا نابضًا، لتغدو بقعًا قانية على أقمشة خيامٍ واهنة، شواهدَ صامتة على همجيةٍ جاوزت مدارك التصور البشري.
ارتعش إبليس في مخبئه الدامس، اجتاحت قشعريرة باردة عروقه المتشابكة. لم تكن هذه هي المرة الأولى التي يشهد فيها شناعة الشر، فقد كان المهندس الأكبر لبنيانه، والمشيد الأعظم لصروحه. لكن ما استقر في فؤاده من وحشية صماء استهدفت العُزّل الجياع هناك، جعل كل جرائمه تبدو كهمسةٍ خجلى في يمٍّ من الصراخ. هوى على ركبتيه، تلوّن وجهه القبيح بمسحة خجل لم يعهدها قط، فقد وجد نفسه تلميذًا خاشعًا أمام معلميه الجدد؛ أولئك الذين استلهموا من صميم الكيان الغاشم شرًا تجاوز مدارك الخيال.
