شَيْخةٌ نِصْفُ كُمّ

حنان قباني العقاد | قاصة سورية

عزيزي يا صاحب الظّلّ الطّويل..
كما أَسلفتُ لكَ سابقاً، فإنّ الهدفَ مِنْ تسليطي الضّوءَ على بعضِ التّفاصيل فيما يختصُّ الطّائفةَ الدّرْزية هو أنْ نعلمَ بأنّ الدِّينَ والتَّديُّن ليسا بالتّعقيدِ الّذي يُنادي به البعضُ، كما أنّنا يمكنُ أنْ نتمتّعَ بالحياةِ و بممارسةِ العقيدةِ على حدٍّ سَواء، وكذلك فإنّ بعضاً ممّن يتديّنون، ولا يقفونَ عند كثيرٍ مِنَ الاجتهاداتِ الطّارئةِ، لا يُعَدُّ إيمانُهم ناقصاً. فلنترك الحسابَ لصاحب الحساب سُبحانَه!..
المُهمّ، التقيتُ (لؤيّاً) بعد غيابٍ في أفريقيا دامَ سنةً وأربعةَ أشهرٍ ، وتبادَلْنا الأحاديثَ في مجالاتٍ متعدّدةٍ، بِدءاً مِنْ عملِهِ، ورُجوعاً إلى ذكرياتِه في الوطنِ الأُمِّ..
قال لي: كانتْ له زوجةُ خالٍ(شيخة)، كثيرةُ الحِشريّةِ،
لا تُفارقُ الشّبّاك، تراقبُ الرائحَ والقادمَ، وتحشُرُ أنفَها في كلِّ ما لا يعنيها، وقَدِ اعتادَ هو -لؤي- أنْ يركُنَ درّاجتَهُ النّاريةَ أمامَ مدخلِ منزلِ خالِهِ. وفي صبيحةِ يومٍ مِنْ أيّامِ الشّتاءِ أرادَ الخروجَ بالدّراجةِ، لكنّها لَمْ تعملْ، وكانتْ زوجةُ خالِهِ-كالعادةِ- تراقبُ مِنْ شُبّاكها، وبدأتْ بإعطاءِ التّعليماتِ: جرّب كذا، ولعلّ هذا ينفعُ، أو ذاك أفضلُ..حتّى ضاقَ بها ذَرْعاً، فطلبَ منها صراحةً بأنْ تَكُفَّ عن إعطاء.ِ الإرشاداتِ..
ثُمّ طلبتْ منه أنْ يذهبَ لشراءِ الخبزِ مِنَ الفُرنِ، فَفَعلَ، وعندما عادَ، دعتُه لشُرْبِ فنجانٍ مِن القهوةِ، فَفَعلَ، و هَمَّ بالمغادرةِ، لكنّها أَصَرَّتْ عليه بأنْ يبقى لِتَقرأَ له الطَّالِعَ في الفنجان.. 
قال لي: ليستِ المَرّةَ الأولى الّتي تفعلُ هذا، دائماً تُصِرُّ على (التّبصير في الفنجان)،
وطبعاً بدأتْ قراءةَ الخريطةِ المُعتادةِ: "هناك سَفرٌ بانتظارِكَ ،وهناك رزقٌ قادمٌ، وبَعْدَ كذا إشارةٍ سيحدُثُ كذا..إلى أن وصلتْ إلى: "ستلتقي بفتاةِ أحلامِكَ،  فقالَ لها: "دائما تقولين هذا ولا يحصل"، فقالت: " هذه المَرّةُ لن تلتقيها صُدفةً، بَلْ (دَلِّيّة)"،أيّ أحدُهم سيدُلّهُ عليها، فما كان مِنّي إلّا أنْ ضحكتُ عالياً،فقال: "اضحكي،
أنا أصلاً أُسمّيها شيخةً نِصّ(نصف) كمّ !!!"..فَقَهْقَهْتُ حتّى سَمِعَ كلُّ مَنْ في المطعمِ صوتَ قَهْقَهَتي، وعندما تَمالَكْتُ نفسي، قلتُ له:"ما الضّيرُ أنْ تكونَ شَيخةً، ولها هواية القراءةِ في الفنجان؟ قد تتحسّنُ مهاراتُها بعد مُدّة"..
شاءتِ الأقدارُ أنْ تُسافرَ ،وتُرزقُ، وبقيَ أنْ تلتقي فتاةَ أحلامِك...
ألقاكَ قريباً يا صاحبَ الظِّلِّ الطّويل..