يعنى بالسرد القصصي والروائي
سالم الباوي/كاتب إيراني
أتوق لمشاهدة برنامجٍ تلفزيوني، كما في كل يوم.
أثناء النظر إلى الشاشة المظلمة، أتساءل: ماذا أشاهد إذن؟ الأخبار؟ مسلسل؟ مسابقات كرة القدم؟ لم أقرر بعد. شيء في داخلي لا يشتهي هذه الأشياء، ولا أعرف السبب. للحظة فكرت أن أشاهد "غوار الطوشي" لأضحك قليلاً. كما أحب مشاهدة أفلام أو مسرحيات عادل إمام، فهو يخرجني من ضوضاء أيامي هذه إلى أيام الخوالي.
لكن الشاشة لا تزال داكنة، ولم أتخذ قراري بعد. لا أحب مشاهدة أفلام الأكشن، فـ"رامبو" وحده يذهب إلى أقصى العالم لينقذ الجنود أو الناس من يد الشرير. يذهب وحيداً وينتصر، يقهر جيشاً مدججاً بأسلحة فتاكة. لا أعرف كيف يقنع المخرج نفسه بأن شخصاً يستطيع الهروب من صواريخ تسقط على بيته أو سيارته! أعلم أن المخرج بهذا الأسلوب ربما لم يشاهد حرباً حقيقية في حياته، لذلك يخلق شخصيات كـ "رامبو" أو "آرنولد شوارزنيجر" التي تقهر كل الجيوش.
لا تزال شاشة التلفاز داكنة، وأنا لم أقرر بعد. لا أحب مشاهدة الأخبار، أشعر بالإحباط والغثيان عند مشاهدتها، فمحتوى الأخبار غالباً ما يكون دماراً، خراباً، حروباً وموتاً.
تشتعل غزة بنيران الصواريخ الإسرائيلية، والحر يجتاح القارة العجوز. لا أعرف لماذا تسمى أوروبا "القارة العجوز" بينما عمر قارة آسيا أكبر بكثير. أول الحضارات كانت في آسيا وأفريقيا، فكيف تكون أوروبا أقدم؟ ربما أنا مخطئ لأنني لم أركز جيداً على هذه المعلومة.
أنظر إلى الكتب حولي، لكني لا أمتلك الرغبة في فتح أي كتاب، مثل كتاب الإعلام لأكتشف لماذا تسمى أوروبا القارة العجوز، أو هل هي حقاً كذلك؟ هاتفي بيدي، ولا أحب التصفح على الإنترنت لاكتشاف صحة معلومتِي.
لا تزال الشاشة داكنة، ولا أعرف لماذا لم أرغب بمشاهدة القنوات الثقافية، التي تتحدث عن مختلف المواضيع الثقافية. في هذه اللحظة، لم أشعر بأي رغبة تجبرني على المشاهدة. هذه القنوات تتحدث عن التاريخ، الجغرافيا، والأدب، وهو أمر أتشوق إليه كثيراً، لكن الآن لا أحب هذه المواضيع.
الشاشة لا تزال تصرخ بصمت، تراقبني وأنا أنظر إليها، تسألني ماذا أريد أن أفعل: هل أضغط على زر الريموت وأشغل التلفاز، أم أبقى متجمداً، مشلول الإرادة؟
أعلم أن التلفاز لا يعرف مشاعري، لأنه لو اكتشفها، لشغل نفسه تلقائياً وبث البرنامج الذي يناسب مزاجي العكر. هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يصنع شيئاً في التلفاز يبث برنامجاً يحبه المرء في تلك اللحظة؟ أعلم أن هذا صعب جداً، فلو اجتمعت العائلة أمام التلفاز سيكون من الصعب تحديد برنامج يناسب أذواق الجميع، فالأطفال يريدون الكرتون، والنساء ربما برامج الطبخ والموضة والمكياج، والرجال قد يفضلون الأخبار أو كرة القدم.
الشاشة لا تزال داكنة أمامي، ولم أضغط على زر التشغيل بعد، لأنني لا أعرف بالضبط ماذا أريد أن أشاهد. لا أستطيع تحديد رغباتي. أبتعد عن مشاهدة التلفاز، وأحاول أن أجد بديلاً، ولكنني لا أجد شيئاً سوى التلفاز نفسه.