loader
MaskImg

السرد

يعنى بالسرد القصصي والروائي

ما تحدث به شلال الرمل

breakLine

 


زينب خضير الزبيدي || قاصة عراقية

 

أنتابتني تلك القشعريرة في جسدي وأنا أحاول النهوض من غفوة طالت على ما يبدو في ذلك الساحل الرملي الأبيض.
لم أستطع أن أرى زرقة السماء لوجود بعض من حبات ذلك الرمل النقي فوق أهدابي، والتي حجبت الرؤيا وبدأت حركتها تتثاقل بطريقة غير معهودة لي.
حاولت مجدداً أن أستفيق من ذلك الشعور السابح والمفاجئ في الرخاء،
وأنا أسمع صوت ذلك النورس الأبيض اللؤلؤي قريباً مني،لكنه كان كذلك الهمس الخافت في أذني الذي لا يريد النهوض لرؤية العالم الجديد ..
فأنا الذي أنتقلت إليه على عجالة في حُلم ليلة شتاء باردة.
أنتظرت قليلاّ ريثما ينتهي الدوار ويعودُ شعوري مرة أخرى للتوازن وأعطي نفسي تلك القوة والإرادة للنهوض ..
ولكنه هذه المرة كان هناك يمتد كصوت بعيد أريد لنفسي أن تتبعه على مقربة من ذلك الساحل. كانت طوبولوجية الأخير غريبة ولا متناظرة وكأنها من عالم أسطوري لم يعرفه بشرٌ من قبل. 
فتلال الرمل متراكمة على بعضها ،تتحدى كل قوانين الجاذبية والفيزياء . 
كان الرمل وكأنه شلالٌ ينطق كلمامررت أمامه، متخذاً أشكال شتى لا نهاية لها.
كلما دققت النظر إلى تلك الشلالات الرملية تحولت إلى هيئة ساكنة لا حراك فيها. 
وكلما أشحتُ بنظري عنها بدأت بالحركة وكانها خجِلةٌ مني! 
حاولت خداع تلك الشلالات بعد نهوضي الكسول من ذلك الساحل فتتبعتُها واحداً تلو الآخِر حتى أنتهيت لفوهة صغيرة تناهت إليها كل تلك الشلالات الرملية وكأنها روافد مقتصرة لنهيرٍ صغير منقطع، 
لم تتوقف عن الإنسياب والحركة، كما عهدتها قبل لحظات. 
ما زلت أسمع ذلك الصوت الذي راودَ أسماعي قبل نهوضي من غفوتي الرائقة تلك. 
بدا وكأن شلالُ صغير من الرمل الأبيض يحاول أن يقترب مني ويحاورني من خلال ذلك الصوت. 
كان إيقاعه كصدى قريب غارقاً في السكينة لا يحاول أن يثير أي شعورٍ بالريبة والخوف أو التوجس. 
مددتُ يدي نحوه مؤمناً أنه لن يضمر لي أي شر أو سوء، أقتربت ذراعٌ من ذلك الشلال الرملي النقي نحو أصابع يدي وهي تحاول ملامستها. أحسستُ حينها أن ذلك الشلال الصغير كائن حي يحاول إيصال رسالة ما لي ولكنني كبشري لم أستطع فهمه، ولا فك لغز الصوت الذي يخرج من طيّات ذلك الرمل المُنساب بديناميكية عجيبة. 
بدأ همسه يقترب من أُذني شيئاً فشيئاً محاولاً إفهامي ولو ببطء أنه يعرفني من قبل! 
_كيف يعرفني؟
 تساءلت وأنا مأخوذ بما اسمع .
أنت قِدمت من عالم وأبعاد مختلفة عن ما أعيشه الآن على هذا الساحل الغربب.
من أنت؟ سألتُ ذلك الشلال المُنسدل 
_أنا؟ هو أنت ايها البشري الضائع!
-كيف ذلك وما أدراك أنني بشري؟
أين هذا المكان الذي نحن فيه؟ 
_أنت هو إنعكاسٌ لي في كل ذرة من ذلك الرمل..
أما المكان الذي نحن فيه فهو عقلك الذي لم تفهمه حتى هذه اللحظة. 
_ لكنني أشعرُ بأنني في عالم آخر. هل لك ان تتجسد لي لأعرف من انت؟ 
فأنا في لحظة هاربة ومضطربة ومشوشّة.
_ لا يهم ذلك ..فالشكل الذي أنا عليه الان هو أقرب لفهمك أو وعيك. 
بدا الامر وكأنه حديثُ نفس أستقر في روعي.. ولكنه في بُعدٍ آخر لن أستطيع أستيعابه. 
كان ذلك الشلال الرملي يتناسق في أشكال إنسيابية على شكل مشاهد مألوفة لدي ، ربما في حياتي التي سبقت مجيئي إلى هذا الشاطئ. 
- مالسبب الذي جعلك تستدعيني هنا؟ 
- لم أستدعيكِ أبداً .. بل هو أنت الذي جئت إلى هنا لتبحث عن نفسك. 
_ كيف ذلك؟ أجبني لقد أشكلت عليّ كل معرفتي.
_المعرفة هي كشلال الرمل هذا، كلما أردت أن تتمكن منها أنسابت من يدك بلا تجسيمٍ معروف. 
- وهل من الحكمة ان تبقى هكذا ؟ (سألته متعجبًا)
- ربما من الحكمة أن لا تتصلب معرفتك فتُكسر حينما يستقر الوجع في عقلك. ولهذا دعها كالرمل تتشكل كما تريد وتتلاشى كما تريد.
لكن إياكَ أن تجبرها على أن تتركب وتتجسم،
فستخسر الكثير .
تخلى عن مشاعرك الكامنة ودع الأزمات تمر بوعي وأمان .
فخلف ذاتكَ هذه يكمن الكون الكبير.