يعنى بالسرد القصصي والروائي
غزلان شرفي/قاصة مغربية
بحركة آلية، أزاحت الغطاء عن جسدها الهزيل، ودست قدميها في خفها الباهت، ثم توجهت نحو المطبخ لإعداد مائدة الفطور. انعكست أشعة الشمس على محياها، كاشفة عن تاريخ طويل من الكفاح والصمود بعد رحيل الأب من سنين، واستسلام الأم لجبروت المرض اللعين.
الفطور جاهز، وكذلك وجبة خفيفة للغداء على مرمى اليد من جسد أقرب ما يكون إلى شبح مدثر بالسواد، لا بوادر حياة تظهر عليه، سوى حركات تنفس بطيئة يتردد صداها في قفص صدري، أشبه ما يكون بناي حزين، اتسعت ثقبه، فغدا لحنه نشازا، يزعج أكثر مما يُطرب.
دست في فمها بضع لقيمات، أتبعتها برشفات من شاي ساخن، زاد روحها المنكسرة احتراقا؛ تأبطت حقيبتها، ألقت نظرة على والدتها، ثم أغلقت دونها الباب، ويممت شطر المحطة في انتظار الحافلة التي ستقلها إلى بيت مشغلتها في وسط البلد.
قرص الشمس بدأ في الاحمرار، والسماء تنذر باحتضار النهار. قفلت راجعة تجر قدميها جرا، تنقل حقيبتها من كتف إلى آخر، فما عاد بهما جهد لحٓمل شيء فوق حملهما الأزلي.. رباه! متى سينتهي هذا الشقاء؟...
سالت الدموع من عينيها وهي تسترجع ذكريات صباها: أول موعد، أول همسة،أول كلمة،أول خيبة... ولا شيء بعدُ سوى الخيبات. جرها شريط الذكريات بعيدا،فأحست بانعدام وزنها، وبدأت تسبح في الفضاء. أصوات وصراخ، أضواء ونواح. حاولت التركيز أكثر، فلم تر غير خيالات تجري هنا وهناك. مدت يدها نحو جبهتها تحاول أن تجبرها على الثبات. ماهذا السائل اللزج الدافئ؟ وما هذه الحمرةالقانية؟ رفعت عينيها، فطالعتها أضواء سيارة لم تدرك هل كانت هنا منذ زمن، أم حضرت الآن.
ألم كبير، دوار شديد....
أغلقت عينيها، فخيل لها أنها ترى أمها وهي تتطلع من النافذة لقدومها في انتظار طعام العشاء.