يعنى بالسرد القصصي والروائي
نايا ناصر | قاصة سورية
كان أوّل تمرّد لي في السّابعة من عمري حين هربت من المنزل، حيث هدوء القرية يُثير طفلاً مشاكساً مثلي، ولأنّ والدي لم يُحضر لي كرةً خضراء كما طلبت أحرّر بها صمت القرية بكسر بعض الخوابي كي أسمع صوتها.
ذلك اليوم انتظرته عند مطلع الفجر، إلى أن عاد خال الوفاض وحدث الإنفجار...
صوتٌ عالٍ في رأسي يردّد:
إنّها مجرد كرة..
جهّزت نفسي لنزوحي الّذي انتهى مع غروب الشّمس، بقطعة من الخبز اليابس، وبعض حبّات الزّيتون. سرقت "مشبك" أمّي الوحيد لأتمسّك به إن خفت.
لن أنسى وجه أمّي عند عودتي وشعرها المنسدل على كتفيها للمرّة الأولى، لذلك تسلّلت ليلاً وحفرت حفرة في التّراب، أخفيت المشبك هناك عميقاً في الأرض. أحببت شعرها المنسدل وتظاهرت بالحزنِ وأنا أبحث معها دون كلل عن مشبكها.
في كلّ مرة تقفز كرة خضراء أمامي أغادر المنزل، وفي عتابٍ عاطفي سألني والدي متى سأتوقّف عن الهروب، أجبته
"تقصد التمرد" كانت إجابتي هروباً آخر، كنت قد نسيت السّبب و أصبح تمردي عادة لديّ. أدمنت ذلك الاهتمام المفرط عند عودتي ورؤية تلك الغيرة في أعين أخوتي. شعرت أنّني أصبحت مميّزاً، وأصبح للقرية صوت مألوف.
تمرّدي الأخير لم ينتهِ بعد، عدّت إلى البيت ولم أجد أبي، رأيت أمّي تضمُّ شعرها بمشبكٍ جديد تبكي بصمت، لم تتعرّف عليّ، خرجتُ حينها حريصاً ألا ألتفت للوراء أبحث عن بيتٍ لي وأنا أدحرج كرةً خضراء طوال الطّريق لا أعرف من أين هبطت، والقرية تضحك حيث لا أحد في أيّ مكانٍ ينتظر عودتي...!