loader
MaskImg

السرد

يعنى بالسرد القصصي والروائي

ورقة ناصعة البياض

breakLine

 


رهف العقابي || كاتبة عراقية


عاد جريحًا من الحرب وقد ثأر الحزن منه حتى تفشى بياض أحلامه على شعره ،يحمل وحشة الحرب في صدره ،  عائدًا من البصرة إلى بغداد في حافلة قديمة مع حفنة جروح تعلو جسده المتعب جلس على إحدى المقاعد ثم جلست بجانبه فتاة جميلة 
طالبة تدرس في جامعة بغداد ، فدار بينهم حوار طويل حول الدراسة والهوايات وكلاهما أفصح للآخر عما يحب..حيث قال لها أنه يحمل شهادة البكالوريوس وهوايته الشعر منذ الصبى..في حين قالت له أن  أهم هواياتها التي تستمتع بها هي قراءة الكتب بنهم، وقد لفت انتباهه شعرها النحاسي القصير ورشاقتها والنمش المنثور على وجنتيها كالنجوم كما أن فستانها الذي كان بلون شعرها وأفتح من لون شفتيها كأنها خلقت من شمس الغروب، وهي من عائلة فقيرة تحلم بإنهاء المرحلة الجامعية لتبحث عن عملٍ  ينتشلهم من قاع الفقر الذي طالما عانوا منه مرارًا ..وكانت تحلم بفتى أحلامها شابًا غنيًا  طويل القامة أبيض البشرة وحنونًا يشبه الأمراء الذين قرأت عنهم في الروايات والأساطير ،لكنه كان عكس ماتحلم ، مستاءً 
ويائسًا جدًا يحمل أسى الحرب في حقيبته وتجاعيد وجهه تكاد أن تشرح كل ما رأى من فقدٍ وحزن ودم..
شرد ذهنه قليلًا وهو يحاور نفسه كيف لي أن أشرح لها كل الذي عانيته؟
وهي تنظر إلي الآن هــل ستسألني لماذا أرتدي قميصًا أسود باهت اللون؟ وبنطالًا ممزقًا من الجانب كأن الرصاصات تسللت منه وخرجت من الجانب الآخر؟ ماذا ستقول أيضًا عن شعري الأجعد الذي لم يزره المشط منذ اسبوعين؟ لا أعرف نظرتها لي ولا أعرف كيف أفسرها!  هل هي عطف أم أنها حقًا أعجبت بي؟ وهل هي من النساء اللواتي يحببن من أول نظرة؟! 
حسنًا لا بأس هذه التساؤلات كلها ستجد لاحقًا أجوبة كافية..
وبعد انتهاء الحوار طلبت منه رقم هاتفه الأرضي وأعطته ورقة بيضاء فسحب القلم من جيب قميصه الملطخ بأحلام منتهية الصلاحية، كتب عليها ثم طواها عدة طيات ووضعها بين يديها وطلب منها ألا تفتحها إلا عند وصولها البيت، نزلا من الحافلة بعد أن وصلا  بغداد سالمين ، استأجر لها سيارة أجرة ليوصلها إلى الأقسام الداخلية حيث تقيم، اختلجت روحها باللهفة والتوق تستعجل خطواتها لكي تظفر باسمه ورقم هاتفه الأرضي، دخلت القسم مسرعة تمشي على قلبها بدل الأقدام وكلها أمل أن تجد اسمه ورقم هاتفه لتتصل به.. ولكن،أصابها سهم الخذلان حال إن فتحت الورقة حيث وجدتها بيضاء كما هي ولا شيء يدل عليه، انهمرت دموعها كالمطر في ليلة شتائية وغسلت انتظارها بزيف اللحظات المليئة بالأمل.