loader
MaskImg

السرد

يعنى بالسرد القصصي والروائي

وعاد الحلم

breakLine

سمية جمعة 
قاصة | سورية

 

حين كانت المدينة تغرق في صمتها، كان يعقوب غارقا في أفكاره، نظر من النافذة ،حاول أن يجمع شتات نفسه، شعر بأن النور الذي كان يشع من النافذة المفتوحة، يلقي بظلاله على دفتر مفتوح على طاولة تنتظر تدوين ما يفكر به، أكتب! ماذا أكتب؟ ألا تريد أن تصبح كاتبا؟ نعم، أريد، ولكن كيف؟
كان الوهم مصيدة أفكار تراوده من حين لآخر، في تلك الليلة أدرك يعقوب بأن الوهم هو البوابة التي يطل منها على حياة أخرى، حياة يستطيع من خلالها ترميم ما تشرذم من شخصيته وروحه.. الوهم الذي يرسم له تلك الرحلة التي توصله للحقيقة.
رحلة البحث عن الذات المختبئة، البحث عن هوية تليق بهذا الصراع، كان الصدى يبعثره ثم يجمعه ثانية فيستعيد قواه، يا الله! الكتابة!..
تذكر حديث مدرس العربي وهو يقص عليهم كيف بدأ يكتب، ومن كان يشجعه.
لم ينم يعقوب تلك الليلة، كان هاجس التحليق في أفق سماوية، وعوالم تنقله من مكان لآخر تلك العوالم هي ما تجعله يتشبث بآخر خيط من أمل، فتح دفتره وبدأت الكلمات كسيلٍ ينساب، كل كلمة تحاول أن تكون لها الصدارة، ولكن ذاكرة الأمس  المكتظة بصور لماضٍ ما انفك يحاصره، استعجلت الحضور،
تذكر والده حين كان ينهره ويعنفه عندما يشاهده منكبا على الكتابة، كانت كلماته، الكتابة لا تطعمك خبزا، التفت لدراستك. أغمض عينيه، هذه صورة أمه بثوبها الفضفاض تثني على قصيدة كان قد كتبها في عيدها، كانت الحروف مجرد رسائل من نفسه، تحثّه على المضي قدما، هي محاولة للنهوض من جديد، أكمل الصفحة الأولى، صاح يا الله كم كانت الأفكار عصية وها هي الآن تسيل كنهر عذب. طرد الخوف الذي لازمه  سنينا، الخوف الذي باعد بينه وبين نفسه، ها هو الآن أمام مرآة روحه، يبثها لواعج حنينه لأصابع أهملت القلم  لتعود إليه بشوق أكبر، حدث نفسه (سأصبح كاتبا) سأطارد حلمي بكل قوتي أينما فر مني، سأكون أنا ولا أحد غيري.. شعر يعقوب بشجاعة لم يشعر بها من قبل، صوت داخلي يدعوه بأن يتحرر من ذات قد تلبسته ومنعته من التقدم.
انهض! من أنت! أنا أنت! كان الصوت مخنوقا، تلفت يمينا وشمالا، هل جننت أنا! لا لم تجن، انطلق! العالم يفتح ذراعيه لك فاحتضنه. قفز عاليا، كم كان خفيفا، لا شيء يثقله سوى حلم بات على وشك التحقيق.