loader
MaskImg

السرد

يعنى بالسرد القصصي والروائي

وهم

breakLine

 


إحمد إسماعيل زين || قاص سعودي

 

لازلت أسمعه كلما مررت بجوار السور القديم المتهالكة جدرانه ... سور موحش صار سكنا للعديد من الوجوه .
كنت في السابق أعتقد انه سكن للوجوه المرصعة بالمرض والأجساد التي ملت طول البقاء رغم تمسكها بالوهم !!
ذهبت إلى عملي فوجدت كل الشفاه تصطنع الابتسام تفاؤلاً بصباح مشرق 
بدأت معدتي تزمجر جوعا ً.
فنزلت إلى (البوفيه) المجاورة , جلست ووضعت علبة سجائري أمامي .. ورأيت وجهي في مرآة تزين صدر (البوفيه) : تمر عليها الوجوه وتختفي وصورتي تتوسط المرآة !! رحت في ثرثرة عميقة مع نفسي .
فجأة رأيت صورة أحد الأصدقاء محل صورتي في المرآة ، حاولت أن أعرف كيف أتت ؟! ومتى ؟! ولماذا ؟!!
مددت يدي إلى علبة السجائر ، وبدأت أنفث دخانها في الهواء , لعلي استرجع صورتي في المرآة ، أو اعتم صورة ذلك الصديق ، ولكن صورته تحدت كل أسئلتي ! وقلقي !! وأنفاسي المتهالكة المدخنة !!! وسمعت النداء نفسه مرة أخرى آتيا من خلف السور الموحش ، يسألني : منذ متى وأنا أناديك ؟!
سبق إجابتي ما تبقى من دخان محشور في صدري المولع بنتانته ..
لا أدري .. فمنذ ولدت وأنا أسمع نداءك ! في البيت والشارع والمدرسة والعمل , حتى في نومي وأنا اسمعه !! ماذا يريد منى ؟ لماذا لا يتركني وشأني ؟!
هل مللت مني ؟
لا .. ولكن كرهت تكرار ندائك !!
لماذا ؟!
أريد الشعور بالإنعتاق 
حاول أن تجد حلاً آخر !
إذا ، أصم إذني عن سماعك ؟
لا تستطيع ... إلا في حالة واحدة !!!
تذكرت حينها السور المهمل ووحشته وبكيت وعدت إلى ثرثرتي مع نفسي 
هل ستبكي عليّ سيجارتي ؟.. وهل ستشعر الأزقة بفراقي ؟.. وصافرة العسة ستجد أذناً تسمعها غيري ؟.. وتسهر على نغماتها مثلي ؟!
آه ... كم أنا غبي ؟!
لماذا أعشق أحلاماً وأطلب أشياء لن تتحقق ؟!
إلى متى سأظل أطارد وهماً لا أستطيع الوصول إليه ؟!
بعد دقائق انتظار لم أشعر بها قام النادل يهز كتفي بيده قائلاً :
سيدي ... سيدي .. هل تريد شيئاً ؟
فأجيبه : لماذا ؟!
فيقول : هذه المرة العاشرة .. أحضر إليك وأنت لا ترد عليّ ؟!!
فأنظر إليه مبتسماً وأعيد علبة سجائري إلى جيبي وأمضي .. ولكن لا أدري إلى أين ؟!.