loader
MaskImg

السرد

يعنى بالسرد القصصي والروائي

أمي خزّان هموم

breakLine

 

حسين كامل سعدون || قاص عراقي


دخلت عند الثامنة ليلاً للبيت، جئت من الكاظمية وقت ما كنت صبياً، وجدت الكثير من أقارب أمي مجتمعين في بيتنا، لم يكن مشهداً عادياً هو أن تعود إلى البيت وتجد أقاربك دون علم ووجوه أهلك مخطوفة، لم يكن هناك هاتفاً حتى يتصلون بيّ، فعليّ أن أعود للبيت مثل كل مرّة وأحمل معي سعة صدر كبيرة للألم.

أثقل السرطان أمي، وأنا أثقلني الندم، كم تمنيت أن أكون طبيباً لها أو ممرضاً يخدمها، كنت صغيراً عن ذلك، لا أملك سوى الدعاء والتضرع، أو الدخول بمزاجها بعد العودة من الجرعة الكيمياوية من دكتور الأورام المسيحي عزام قنبر آغا، ورأسها مليء بالصداع والايمان، كنت صغيراً عن ذلك الوجع، لكنني كبرت الآن يا أمي، كبرت بالمعنى الذي يمكن أن أتنفس بمكانك لو كان الهواء يتعُبكِ.. لمّا توفّقت الآن في مهنة طبية، هل تعلمين ماذا أفعل حين تكون المريضة أمًا؟

لم أفكّر بالخروج بعد تجمهر أقاربنا أول مرّة، لكن الفقدان لعب لعبة الحنين معنا، وهي أن يقترب، يحوّطك، يشعرك به دون أن يحدث معك، حتى جاء ٢٠ تشرين الثاني في ٢٠١١ بكل برودهُ، وفي البرد يتغير طعم الحزن.. كان يوم الوداع لأمي 'سناء' التي قالت عنها عمتي 'غنيّة' في وقت الغروب: "سناء دنبوس على الروس".

أتذكر تجمهرهم ووجوههم جيدًا، أحبّتُكِ، في حوش البيت، الحديقة، والنساء كثيراً في الداخل، أعرف ان روحكِ كانت تنظر ليّ وأنا متكئ على باب غرفة الاستقبال بدموعي الحارّة، أنظر إليكِ وأسمع صوت ابن خالي سمير وهو يقرأ: وأشهد أن الموت حق، ومساءلة القبر حق، والبعث حق، والنشور حق...

كان كل شيء عندنا يشير إلى النقص إليكِ، قصائد أبي، ايمان أخي أحمد، عيون مؤمل، ولهفة أختي زهراء، حتى قصصي القصيرة التي تهت بها، صار كل شيء أسود بعدما كانت عيونك تلوّن لنا الأيام، وروحك التي انصاغت شبيهةً بوعاء لمن حولها، روحك الصالحة تعلو عنّا كما اسمك لاننا نهبط تحت صفاتك النّدرة، أتذكرك الآن، وفي كل لحظاتي أشبّهكِ بخزّان للهموم، خزّان يحوي حكايا الشكّائين للشعور بالحرية والأمان.