loader
MaskImg

السرد

يعنى بالسرد القصصي والروائي

"أني ميت من زمان"

breakLine


أمير رأفت | قاص عراقي

 

انتظر بعض الوقت وهو مستلق في سريره بجوار زوجته النائمة انتظر أن يأتي الرد من سيرينا على رسالته الطويلة، الا أن ما يبدو أن حبيبته المسكينة البعيدة تغط في نومها الحزين ولا تعلم بعود الديناميت المزروع الآن في هاتفها. نهض من سريره متجهاً إلى كرسيه ومنضدته، أخرج ورقة جديدة، وبدأ

يكتب...

لقد خيبت ظنك يا عم... أخجل من شيبتك الجميلة كما اشتاق لها يا حزقيال العجوز لم أتصور أن أكون أنانياً، وحقيراً، وكاذباً إلى هذه الدرجة لم أتخيل أن أصير ما أنا عليه اليوم أعتذر لروحك يا حزقيال الحبيب

أعتذر لقلبك الذي أحبني كان - حزقيال - من أوائل من سكن مدينة الحرية هو وزوجته ميشيلين وعلى الرغم من السنين الطوال، وكثرة الأحداث البشعة التي مرت بها هذه المدينة، الا أنه كان يفضل الموت على أقذر رصيف فيها من أن يموت في فردوس مدينة أخرى، أو بلد آخر غير العراق والسر في رفضه التام كونه يملك ذكرى ميشيلين في كل طوب يسند منزله في كل زاوية رطبة في كل شقوق جدران غرفه الصغيرة. وكان كلما يغادر منزله للتسوق، أو الضرورة ما.. يعود مهرولاً لاهثاً ليرى طيف ميشيلين واقفاً خلف شرفة داره منتظراً إياه كانت ميشيلين قد غادرته في شتاء عام ۲۰۰۰م، بعد صراع طويل مع سرطان العظام.

في ٢٠٠٣م هرب أغلب سكان مدينة الحرية إلى قرى بعيدة عن بغداد تركوا كل شيء خوفاً من الصواريخ الأمريكية المتساقطة بغزارة كالمطر في ليال بغداد أنذاك. كما هربن بنات حزقيال الثلاث مع ازواجهن إلى بساتين - ديالى بعدما عجزن عن إقناع أباهن بالهروب معهن كان يرقد سعيداً في فراشه ليلاً يستمع إلى أصوات الصواريخ المتساقطة. يحدث نفسه (جابج ميشيلين انتظريني جاتج، متأملاً أن يخترق احد الصواريخ هامة غرفته ليسقط بين أحضانه فيستقبله، وهو يبتسم.

في ٢٠٠٦م، أثناء الحرب الطائفية حاول بعض الأوغاد ممن اشتهى أن يسرق منزل الرجل العجوز أن يقتلوه، لكنه حينما رأهم يقبلون إليه، وهو جالس أمام منزله، وقف من على كرسيه وزئر فهم قائلاً (أولاد القحاب عبالكم أخاف منكم البيكم زلمة خل يذب سلاحة ويواجهني يا مستخنثين شعروا برعب شديد، ولم يجرؤ أحد منهم أن يرمي سلاحه. كان يصرخ (يا زيالة العصر تريدون تكتلوني. ولكم أني ميت من زمان الزلمة بيكم خل يذب سلاحة ويواجهني). كادوا أن يقتلوه من رعبهم لولا أن أنقض جيرانه من كل حدب وصوب ليكونوا جداراً بينه وبين الصعاليك الجبناء وما هي إلا ثوان حتى فر الأوغاد دون عودة لحزقيال ومنزله.. مناويك أني ميت من زمان. كان حزقيال العجوز يجلس أمام دكة بابه صباح كل يوم، وكان أكرم يمر من جواره يومياً فيسلم عليه.

. شلونك عمو حزقيال ....

هلا بالبطل.

محتاج شي عمو؟

أنت شريف بهذا البلد الطايح حظه

شكراً عمو أعمو

- دير بالك فد يوم تصير كواد حالك حال الكواويد الترسوا البلد.

ههههههه صار عمو


في احد أيام ٢٠١٥م كان حزقيال العجوز قد ذهب إلى الباب الشرقي. للقاء صديقه القديم كان بين فترة وأخرى يذهب لزيارته، إلا أن هذه المرة كانت هناك سيارة مفخخة في انتظاره مليئة بالشظايا واكياس المسامير. لقد تبخر حزقيال إزاء الأنفجار، لم يتبق من جسده قطعة واحدة كل من عرف الرجل المسيحي العجوز كان يعلم يقيناً أن حزقيال الآن بقمة سعادته برفقة میشيلین.

عندما وصل خير رحيل الرجل العراقي البغدادي الأصيل، والغيور والطيب، الى أكرم حزن عليه حزناً كبيراً، أو ربما فرح فرحاً عظيماً، لكونه كان على علم تان أن حزقيا يطوف سعيداً مع ميشيلون في أعالي السماء كعصفورين خياليين حول شجرة رمان كريمة.

كان حزقيال العجوز بالنسبة لأكرم أنساناً حقيقياً يحمل من الشجاعة والوفاء ما لم يحمله غوره طيلة دهور، فكانت صورته لا تفارق مخيلة أكرم لطالما كان يذكره حينما يفعل شيئاً غير لائق، أو يبادر بفعل شيء سيء.


قباني حزقيال المتبخر وبخبر اكرم في أعماقه الا تصير كواد .. لكن هذه المرة رأى أكرم أن عليه أن يخوض بخطته الماكرة معتذراً من حزقيال المقدس.