loader
MaskImg

السرد

يعنى بالسرد القصصي والروائي

الحملة

breakLine

 

برهان المفتي / قاص عراقي

 

أصدرتْ بلديةُ المدينةِ إشعاراً بأنّها ستبدأ بردم الحُفَر الموجودةِ في كلّ شارعٍ  وزقاقٍ فيها، دون أنْ تحدد سبباً لهذه الحملة رغم وجود أسبابٍ مِنْ قبل ولم تقُم البلديةُ بأيّ فعل.
أسرعَ المصوّر الفوتوغرافي  إلى خزانته التي يضعُ فيها كاميرته الأحترافية، ترك زوجته في فراشِها وخرج إلى شوارع المدينةِ ليلتقط صوراً لأصدقائه الحُفَر قبل أنْ يفقدهم، فهي حكايات مدينته وعدسته. الناسُ هنا يعرفون كل حفرة بأسمها ومِنْ صوره، تأريخ  ومكان ولادتها في أيّ شارع وزاوية، يسردون قصصها كلّ يوم، لا نديم في مساءاتهم سوى تلك الحكايات التي تتغير  بتغيّر مساحة الحُفَر وتأريخ الأيام، كما تتغير الحكايات بتغيّر أتجاههم ومكان سكنهم وقربهم مِن حفرةٍ يحكون حكايتها، فلكلّ أتجاه رؤية، ولكلّ رؤية حكاية لا تتكرر، كما لكلّ يوم حفرةٌ لا تشبه ما قبلها ولا بعدها.
يبدأ جولتَه ومعه كاميرته، يستعيدُ مع نفسه ما يكبر عليه الناسُ في هذه المدينة، أنّ مدينتَهم قد سقطتْ مِن حفرةٍ كبيرةٍ ظهرتْ في السماء، حفرة جاءتْ من لا شيء وأختفتْ بعد أنْ سقطتْ هذه المدينة منها.. هذه هي الحكايةُ الأولى، كما أنّ تلك الحُفرة الكبيرة هي الأقدمُ والأكبرُ وهي الوالدة لكلّ ما بعدها،  تتناسلُ منها الحُفر وحكاياتها.
يتوجهُ إلى تلك الحفرة والتي يسميها الناس "أمّ المدينة"، حفرةٌ لا تزال تكبرُ كلّ يوم وتزدادُ عمقاً، ذلك واضح مِنْ كمية ما تقذفُ مِنْ جوفِها كالبركان، كلما سقط ترابُها على شيءٍ جعلَ فيه حفرة، هكذا توالدتْ وتتوالدُ حُفر المدينة. يقتربُ مِن حافتها جداً ليلتقطَ الصورة الآخيرة لها قبل ردمها، ومِن أوضح زاوية تصوير ينظرُ مِن عدسة الكاميرا.. يسمعُ لها صوتاً وهي بنفسها تحكي حكايتها ! كيف بدأتْ، مَن سقطَ فيها، ومَن ابتلعتْ دون خروجٍ منها، وماذا في جوفها المعتم العميق..وعن السماء التي سقطتْ منها!
يزدادُ قُرباً مِن الحافة، تغطيه مقذوفاتها التي تخرجُ منها، تثقبُ كلّ شيء على جسده، بينما تحفرُ وجهَه بحُفرٍ عميقةٍ مؤلمةٍ تجعله يهربُ راكضاً بين حفرةٍ وأخرى دونَ كاميرته التي أصبحتْ قطعاً متكسرة، كلّما يخرج من حفرةٍ جاءت أخرى… حتى أنهكتهُ حفرةٌ عندَ باب بيته. تظهرُ أولى آلياتِ البلديةِ لبدء حملة الردم، بينما يحاولُ هو إخراج نفسِهِ ليلحقَ بموعدِ زوجته مع عيادةِ تجميل البشرة لأخفاء حُفر السنوات من وجهها.