loader
MaskImg

السرد

يعنى بالسرد القصصي والروائي

السقوطُ بينَ برجينِ

breakLine

 

أحمد حنفي/ كاتب مصري


حدثَ أنَّ رجلاً هشَّ القلبِ كانَ يمشي على محضِ صدفتِهِ العابرةِ، وكانَ لا يأبهُ للزهورِ المتفتحةِ؛ فقد كانَت عيناهُ خريفيَّةً، يرى الحدائقَ وهي تتعرَّى من أوراقِها، في الحقيقةِ، كانَ يُقنعُ نفسَهُ بأسطورةٍ هو مَن ألَّفَها، مفادُها، أنَّ حياتَهُ التي تتساقطُ يومًا فيومًا هي نتيجةٌ مباشرةٌ لمولدِه في ثاني أيامِ الخريفِ، صارَ لا يعلمُ برجَهُ على وجهِ التحديدِ، أحيانًا يقولونَ لهُ أنَّهُ ينتمي لبرجِ العذراءِ، وأحيانًا أخرى يقولونَ الميزانَ، والرجلُ الذي لا يعرفُ برجَهُ لا يُجيدُ قراءةَ طالعِهِ، وكما قلتُ لكم، فقد كانَ لا يأبهُ للزهورِ المتفتحةِ، ربما لأنَّ كفَّيهِ امتلأتا بالأشواكِ في السابقِ، وهو ما أورثَهُ نشيجًا خافتًا، ووهنًا، وعلَّمَهُ الحذرَ، حتى وجدَ على محضِ صدفتِهِ العابرةِ زهرةً من أبدعِ ما يكونُ، رائحتُها تُسكرُ القلبَ، ولونُها لم يكن مألوفًا لعينيهِ، لا يعرفُ لهُ اسمًا، اقتربَ منها وهو يتحسَّسُ الشوكَ الذي في كفَّيهِ، وهو يتحسَّسُ الألمَ، ويا للغرابةِ، لقد سقطَ في عشقِها دونَ سببٍ واضحٍ، ولمَّا اقتربَ منها أكثرَ؛ شعرَ بنعومتِها، وهو كرجلٍ هشَّ القلبِ، ولا يُجيدُ قراءةَ طالعِهِ، رأى وجهَهُ في جدولٍ يمرُّ من خلفِ الزهرةِ، ولكم هالَهُ ما رأى! التجاعيدُ التي تزحفُ إلى جوارِ عينيهِ ببطءٍ، خطوطُ جبهتِهِ الخريفيةِ، المشيبُ الذي ينتثرُ هنا وهناكَ، رأى تاريخَ هزائمِهِ أيضًا. والزهرةُ لا تزالُ تمتصُ من الربيعِ بهاءَهُ النديَّ، وبلونٍ لا يعرفُ لهُ اسمًا كما ذكرتُ لكم.
لكم شعرَ بالمسافاتِ التي لا يستطيعُ الركضَ فيها كرجلٍ أنهكتهُ المساءاتُ، وأوقعَهُ حظُّهُ العَثِرُ بينَ برجينِ، لا يعرفُ طالعًا، ولا يعبرُ ظنونَهُ، لقد رأى أنَّ تلكَ الزهرةَ لا يليقُ بها الحزنُ الذي يحملُهُ في قلبِهِ الهشِّ. هو في جميعِ أحوالِهِ ليست الخسارةُ أمرًا جديدًا عليهِ، ربما بكى قبلَ أن يتركَها ويمضي، ربما قبضَ على حفنةٍ من ترابِ ساقِها كي يتذكَّرَ أنَّهُ قابلَ على محضِ صدفتِهِ العابرةِ زهرةً جميلةً لا يعرفُ للونِها اسمًا.