loader
MaskImg

السرد

يعنى بالسرد القصصي والروائي

الضرابة

breakLine

 

 

إسراء أبو رحاب / كاتبة مصرية

 

 

أعادت فتح عينيها مرة أخري فرأت من نافذة صغيرة في غرفة نومها تطل علي طرقة مؤدية للفناء الخلفي في الدار الخيط الفاصل بين الليل والنهار انسلت من جوار زوجها بهدوء ونزلت من فوق سريرها النحاس ذي النموسيه البيضاء. 
أمسكت الضَّرَّابة  (عصاها الطويلة) ذات التضاريس الحادة، غليظة تشبه عقلات الأصابع دائما تعاقب بها أبناءها ترهبهم بها ليبقوا مطعين لها، فكتها من لفاقتها القطن وراحت تقلب بها الدقيق في مياهة فائرة وهي تتثاءب وزراعها مازال متراخيا، في رأسها فوضي عارمة، حملت إناءها وتركته علي السطح نزلت توقظ زوجها، وأبناءها التفوا حولها،دجاجاتها يتقافزن مرحبين بها وبحبات الذرة التي تنثرها حولهن اشرابت أعناق حيواناتها الأخري، هكذا تحول الفناء الي حفل استقبال مهيب وسعادة بالغة بالسيدة التي ترعاهم عادت بإناء فخارياً ممتلئاً باللبن الطازج، وجدت ابنتها هانم تصب الماء الدافئ لأبيها ليتوضأ وأبنائها الذكور ليغسلون وجهوههم، سعادتها غامرة هذا العام محصول القصب خرج من أرضه عفيا وبالتالي سوف يزن أطنانا كثيرة 
فيكون عائده وفيرا فتشتري أرضا جديدة يتسع بها رزقهم بعد أن فطر الجميع وذهبوا فردت هانم شعرها الطويل الناعم تسرحه وتنظر إليه في مرآه استلفتها من صديقه لها ذات صباح وهن يجنين البامية أرسلته في ضفرتين علي ظهرها، ربطت إشربا صوفاً ووضعت الطرحة اللبنية علي رأسها رأت خصلة متمردة رفضت الانصياع والسير مع القطيع ملقاة علي جبينها، فزادتها جمالا علي جمالها، وجهها الصغير أنفها المنمق فمها الذي يشبه فم الأطفال بشرتها المكسوة بلون سمار ساحر

تذكـــــــــرت
أن أمـــها
قد تميتها
ضربا
إن رأت هذه المياصه، وقلة الحياء كما تسميها. أزاحتها تحت الإشرب وذهبت إليها مسرعة تساعدها في إنضاج الخبز، وجدت الضرابه في يدها، خافت منها لم تقترب، حافظت علي مسافة معينه، بينهما تنظر لما في يد أمها نظرة حنق وغيظ  من سطوتها ونفوذها الذي تبسطه علي الجميع وخاصة عليها هي، لقاءاتُهما ليست جميله تترك آثاراً زرقاء في جسدها، مازالت آثار الليلة الماضية تؤلمها ظلت تقاوم رغبتها في الذهاب الي فرح الجيران بملء مياه الشرب وتغطيتها أعدت فراش الجميع للنوم ونظفت  سقيفة البيت، بدت كنحلة هنا وهناك، أذان المغرب كأنه يؤذن لها بسرعة الذهاب إلي الفرح انهارت كلٌّ مقاومتها، أخرجت رداءها الذي تحتفظ به للمناسبات، راحت تتأكد أن امها مشغولة مع زوجة عمها، وأن ذلك يستغرق وقتا يؤمن لها الذهاب والعودة دون أن ترأها، لو أخبرتها بما تريد لن تدعها تفعله لذلك قررت الذهاب دون أن تخبرها، حملت أختها الصغرى علي كتفها وذهبت، كانت مشدودهة بالعروس ولبسها والزينة التي علي وجهها، راحتيها المخصبتين بالحناء، حاولن الفتيات جذبها لدائرة الرقص، رفضت، كانت تختبئ بين الناس خشية أن يراها أحد فتكون العاقبة وخيمة


أمسكتها من الخلف صديقُتها التي أعطتها المرآة ارتعدت، ظنتها أمها، نظرت إليها الكحل مشدود كخط حتي خارج زاوية العين، حجابها للخلف قليلا يظهر شعرها، اندهشت وسألتها : هل رأتك أمك بهذه الحالة ؟ أجابت نعم رأتني ولم تفعل شيئا. جذبتها إلي وسط البنات ثم الي دائرة الرقص تدريجيا اختفى الخوف الذي داخلها ونسيت الأعين التي تخشى أن تراها فتخبر أمها، وأختها الصغيرة، تلاشى العالم كله إلا صوت الدف وهو يتراقص فيجعل جسدها ينساب متمايلا كنسمة هواء مارة كالحرير يهدم حصون الخوف والرهبة التي في داخلها، يضع مكانها الحياة التي تجري في أوردتها بعد أعوام من الجفاف تتحرر من كل أثقال الممنوع والمسموح وكأن حركة يديها في الهواء تكسر قيدا، وحركة خصرها تعلن ثورة، تمايلها كغصن شجرة يكاد يستقل بذاته توقفت عندما توقف صوت الدف، فاقت من خدرها، وجدت النساء قد تجمعن في حلقة حولها صامتات مندهشات من راقصها، هي ذاتُها لم تكن تعلم أنها تعرف الرقص فقط استلسمت لصوت الدف أثاروا ضجة حولها لترقص مرة أخري ولكنها هربت منهم بأعجوبة، في طريقها الي البيت غمرها إحساسُ لذيذ افتر ثغرها عن ابتسامة الخدر، فعلت شيئاً مختلفاً تماماً عما تفعله كل يوم ــــــ تنظيف ...طهي ....ذهاب إلي الغيط .. إطعام .. الحيوانات ــــــــــ رأت أن فعلا كهذا يستحف أن يخلد في ذاكرتها رفعت أختها وضمتها إليها وأخبرتها أن تحبها كثيراً
و
د
خ
ل
ت


البيت، ذهب إلي غرفتها خلغت رداءها، وهنا ظهر لها أحد من خلف ملابسها المعلقة، كل ماتذكره بعد ذلك الضرابة وهي تمزق جسدها، وهي غارقة في رقصها لم تكن تعلم أن الاخبار طارت بسرعة البرق إلي امها وأن الحريق المتصاعد دخانهُ في البيت لم يصل إليها، وعاد أخوها الذي أرسل للبحث عنها ولم يجدها بسبب أن النساء مكان لا يدخله الرجال، فاضطروا الانتظارها حتي تعود لم يغلقوا لها الباب، وطريق غرفتها آمن حتي تواجه مصيرها داخلها, صُمَّت آذان الأم أن تسمع صراخها واسترحماتها .

في ساعة الغروب فى اليوم التالى بعد انتهاء الأعمال اليومية سمعت صوت الدف ينقر بسلاسة في بيت الجيران مرة أخري رفعت يديها عن طلمبة الماء حاول جسدها أن يستجيب للرقص لم يستطع من آثار الضرب التي تلقاها وهو شبه عارٍ لكن داخلها مازال سليما، رقص وتمايل، وصنع أنغامه الخاصة به لم يخفه الضرب أو العصا الغليظة عندما رأت أمها أخرجت خصل شعرها ورفعت الدلو وذهب إلى السقيفة .