loader
MaskImg

السرد

يعنى بالسرد القصصي والروائي

القط المُنتَظر

breakLine

 

منى برنس/ كاتبة مصرية

 

كان راجي قابعا في ركنه المفضل بين الأغصان المتشابكة و المورقة أعلى شجرة التوت الذي كان يعتبرها بيته الحقيقي يتأمل النجوم و يقرأ طالعه. تمطع و دلدل ساقيه و فردهما ثم اعتدل يموء بصوت عال. كان يموء بطريقة تشي أن نقاشا حاميا يدور برأسه التي يحركها أحيانا يمينا و أحيانا يسارا و أحيانا لأعلى و لأسفل، كما لو كان يقوم بتمرينات لرقبته. لكنه في الحقيقة كان يزن الفكرة التي ترمح في رأسه من كل الاتجاهات. كما كان يحسب أيضا كم روحا تبقت له من الأرواح السبعة. طوال حيواته السابقة غامر كثيرا، و إن لم يخطئ الحساب، فقد تكون هذه الروح الأخيرة له. ثم ماذا بعد؟ هو لا يعرف. لم ينبئه أحد من قبل. ربما العدم. ربما حياة أخري في هيئة مختلفة، ففي بعض الأماكن يقال أن للقطط أرواح تسع. حتى هنا يقال أنه يظهر كل بضع سنوات قط بتسع أرواح. هو شخصيا لا يذكر أن ذلك حدث في حياته. لكن من يعلم! ربما يكون هو أحد القطط المحظوظة التي ستنعم بحياة تاسعة. “ و قد أشقى بها،” قال لنفسه. في كل الأحوال، قد تكون هذه فرصته الأخيرة أيضا لتحقيق ما كان يحلم به لنفسه و لكل جنسه، و ربما للأجناس الأخرى. لم لا؟ ليعم الخير الجميع.
من يعرفه كان يقول عنه حالم، و البعض يراه مستهترا لا يدرك عواقب أفعاله. لكن هذا العام نهاية دورته التاسعة، أي نهاية مرحلة و بداية مرحلة جديدة. أخذ يموء مواءً عاليا متقطعا كمن يقهقه. “ انها الروح الأخيرة إذن، و ما يستجد بعدها مما لا تعرفه.” لم تحدد النجوم تماما مصيره أو ما ينتظره. لكن الرقم ثمانية يتكرر بمضاعفاته أمام عينيه التي تلمع ببريق النجوم المنعكسة عليها. ثمانية رقم القوة و التغيير و الكارما. تخبره النجوم بذلك و تضيف أنه يمتلك الآن كامل لياقته الذهنية و البدنية و أنه جاهز للإنطلاق في أي طريق سيأخذه، لكن عليه تحديد الهدف. أرواحه الست السابقة يتباحثن الأمر. تحذره روحه الأولى و الأقدم و الأكبر سنا و خبرة، و التي ذهبت في حادثة سقوط أليم من شجرة عالية، “ لن يتركوك!”. روحه الثانية، و التي راحت ضحية عراك بينها و بين كائن غريب ظهر فجأة في الجوار، و تعلّمت بعد فوات الأوان ألا تدخل معارك مع كائنات غامضة مرة أخرى، هي، أيضا، تحذره من خوض تجربة تبدو لها شائكة، “ سيحاربونك بضراوة.” الروح الثالثة، و كانت روحا جوالة، تعشق السفر و الانطلاق و المغامرات، و تزور راجي كثيرا في المنام، على الفور قالت له، “ انطلق!” ماء راجي لروحه الثالثة مواءً ضاحكا. “ أنت تعشقين الشغب!” صمتت الروح الرابعة و لم تقل شيئا. فقط أخذت تتلفت حولها كمن يخشى أن يسمع صدى أفكارها أحد. لم يلح عليها راجي، فهو يعرف طبعها الموسوس. و قالت له روحها الخامسة أن ما يفكر في الإقدام عليه عبث لا يليق به. نظر راجي إلى الروح السادسة الكسلى التي راحت تتمطع و تتنهد و تفرد ساقيها الأمامتين ثم الخلفيتين، “ ميا؟” انقلبت على ظهرها ثم ماءت و هي تتثاءب، “ أنت تعلم أنا لا أحب بذل أي مجهود و لا أشجع أحدا عليه” تثاءبت ثانية، و قبل أن تغلق عينيها تماما كان شخيرها قد بدأ يعلو.
كان راجي يحلم بأن يعيش في مكان لا تحكمه قوانين تسنها إناث القطط. كان يحلم بحريته التي تقيدها تلك القوانين التي تحجر عليه باعتباره قط لا قطة. هو لا يعلم كيف هو الحال في الممالك الأخرى. فهو لم يغادر تلك الجزيرة التي وُلد و عاش بها. كان يسمع حكايات من بعض رفقائه و رفيقاته التي سافرن لجزر و ممالك أخري، منها مثلا، أنهم  يحرقون القطط في بلاد ما لا يعرف مكانها، و أن القطة إلهة تعبد في مكان آخر، و أن هناك من يتشاءم إذا عبر أمامه قط أو قطة سوداء. لكن فيما حوله من جزر و ممالك أخرى، كان نفس النظام المتبع هنا في جزيرته، القطة هي الحاكمة و الآمرة الناهية في كل شئون الحياة. هو يريد التغيير، يريد استعادة التوازن المفقود بين القط و القطة، بين الحاكمة و المحكومين. بعض رفاقه من القطط الذكور يقولون له أن ما يفكر فيه حلم لن يحدث لا في حياته و لا حياتهم الآنية. ربما في حياة أخرى. و البعض يشجعه لكنهم يدركون أيضا أن المجال مغلق، فهذه القطة الحاكمة و كل أسلافها شرسة رغم أنها تدعي الوداعة، و لن تترك مكانها إلا على جثتها كما أكدت مرارا.
أخذ يقلب الأمر في رأسه. لقد انتهى دوره البيولوجي. فقد عاشرته عدة قطط، أحيانا رغما عنه، و أنجب منهن قبيلة من القطط أغلبها ذكور. ساعد قدر استطاعته، و قدر ما سمحت به أمهاتهم من تدخل، في تربيتهم و تعليمهم. و قامت الأمهات بتوظيف من بقي في الجزيرة و ساعدن الآخرين على السفر لجزر قريبة و أخرى بعيدة. ثم هجرنه الواحدة تلو الأخري. كان وضع ذكور القطط في هذه الجزيرة غير عادي بالمرة مقارنة بأماكن أخرى. فالذكور هم الأغلبية، لكنهم الأحط شأنا في الجزيرة. و إناث القطط هن الحاكمات في كل شيء رغم أنهن الأقلية. و بسبب التفاوت الكبير في عدد  النوعين، فقد شرّعت إحدى القطط الحاكمات في زمن ماض بأن تعاشر كل قطة ما يحلو لها من ذكور القطط دون عدد محدد، على أمل أن تزداد أعداد الإناث. إلا أن العيب يبدو كامنا في الذكور الذين يُرغم معظمهم على المعاشرة وبالتالي، و ربما بشكل لا واع، يهبون مزيدا من الذكور. إذا كانت الإناث على هذا القدر من الغلظة و التسلط رغم قلة عددهن، ماذا سيحدث إن زاد عددهن؟ و ربما تنقلب الأمور في يوم ما، و تصبح الغلبة للذكور أو على الأقل بعض المساواة. لا أحد يعلم.
و ها هو راجي الآن يقبع وحيدا على شجرته، يفكر في قلب نظام الحياة. لن يستطيع الاعتماد كلية على رفقائه من الذكور. فهم جبناء و خاضعون لما يعتبرونه طبيعة الأمور و يراه هو ذل. ربما يستطيع استمالة بعض الإناث، فهناك عدد لا بأس به من إناث القطط المتفتحات اللائي يؤمنّ بالمساواة و التوازن بين النوعين. لكن كيف و من أين يبدأ؟ قانون الجزيرة لا يسمح بأن يتحدث ذكور القطط في أمور عليا، و من يفعل ذلك النفي إلى جزيرة لا أحد يعلم عنها شيئا يكون مصيره. و تلك الجزيرة التي لا يعرف أحد شيئا عنها تابعة لمملكة قطط أخرى، عقدت القطتان الحاكمتان هنا و هناك اتفاقية لاستخدام تلك الجزيرة المهجورة كمكان لنفي ذكور القطط الذين يعادون قيم و ثوابت المملكتين. ينتابه الفضول أحيانا لمعرفة ذلك المكان، فتوسوس له نفسه القيام بفعل أحمق، مثل ذلك الذي يفكر فيه الآن، فيتم نفيه. لكنه إذا نجح، لا يعرف كيف بعد، سيلغي تلك الاتفاقية، و سيستطيع زيارة تلك الجزيرة كسائح أو كحاكم أو كمجرد قط مواطن له حقوق و عليه واجبات يتساوى فيها مع القطة المواطنة. “ استجمع شجاعتك يا راجي!” يموء لنفسه.
ينزل بتؤدة من موقعه عبر الأغصان المتشابكة، و لا يقفز دفعة واحدة. فهو لا يزال يذكر الواقعة المميتة لروحه الأولى التي غادرته من جراء ثقتها المفرطة في ليونتها و قدرتها على القفز الحر. يصل بسلام إلى الأرض العشبية ثم يبدأ في نبش الأرض و اقتلاع بعض الأعشاب و تسويتها. يجلس على مؤخرته و قد ثنى ساقيه الخلفيتين و أخذ يهرش بأظافر يده اليسري ما تبقى من شواربه. و هي عادة كبار مفكري القطط الإناث في تلك الآونة، و رغم أن راجي ليس مفكرا، لا كبيرا و لا صغيرا، إلا أنه تأثر بتلك العادة التي انتشرت بين القطط لاسيما إلإناث منهم. كانت شواربه الكثيفة إحدي مفاخره التي توارثها أبا عن جد. لكن ما حدث حدث! يصبّر نفسه. و ما حدث هو أن معظم شواربه نتفتها قطة ضالة رغبت في معاشرته غصبا عنه. يتحسس فمه و قد تذكّر تلك المهووسة التي طاردته لأيام، و التي بعد أن رضخ لإرادتها خوفا و ليس رغبة، قضمت شفتيه و نتفت شواربه. المجنونة. كان بإمكانه القضاء عليها دفاعا عن نفسه، لكن تابعات القطة الحاكمة اللائي يدرن كل أعمال الجزيرة لم يكن لينصفنه، كن سيقمن بالقبض عليه و تقييده و ربما يجئن بإناث قطط مهووسات ليغتصبنه رسميا. قضاء أخف من قضاء، قال لنفسه حينها. و حاول أن ينسى أو يتناسى و يتعايش مع الواقع. شعر بالقهر و هو يتذكر، و أقسم في لحظة الغضب تلك بأن يبيدهن جميعا.
“ هوّن عليك، و فكر في المستقبل بدلا من تنغيص أحلامك بالماضي و تلك القطة اللعينة. ابدأ.” قالت له روحه الثالثة دائمة التفاؤل بمناسبة و من دون مناسبة. تنهد راجي. “ عندك حق!” ماء لها مبتسما. غيّر من وضعية المفكرين و انقلب على بطنه مادا كل جسمه و ساقيه على الأرض. التقط زلطة صغيرة تصلح كقلم و أخذ يرسم خريطة الجزيرة كما تعلمها في صغره. الجزيرة كبيرة و ممتدة الأطراف. هل يبدأ من مركزها حيث يعيش أم من أطرافها المترامية التي لم يسبق له زيارتها و لا يعرف عنها سوى القليل الذي تعلمه في طفولته؟ 
“ابدأ من هنا. الذي تعرفه أحسن من الذي لا تعرفه.” تكلمت روحه الكبيرة، الأولى، بلغة الاشارة. فهي من الجيل الذي مات قبل أن يستعيد القدرة على المواء مجددا.
“ اذهب إلى الأماكن البعيدة و اكتشفها.” ماءت المغامرة غامزة.
“ لا تتعب نفسك، الموضوع لا يستحق. صدقني!” قالت روحه الثانية التي راحت ضحية معركة غير متكافئة مع كائن غامض لتثبت أحقيتها في ميراثها من الأرض.
“ ابق هنا، و لا تذهب إلى أي مكان. عش عيشة أهلك، و انس هذا الموضوع. من سمع عن قط حاكم من قبل! ثم أنت ليس لديك أية خبرة أصلا كي تفكر في الأمر. كن عاقلا. لقد حذرتك من قبل. صحيح أنه لا توجد قوانين مكتوبة تمنعك، لكنهن لن يتركنك.” أصرّت مجددا.
ينقلب راجي على ظهره و يضع ساقا على ساق و يهز الساق العليا و هو يقلّب الأراء المختلفة في رأسه الصغير. “ لقد عشت طوال حياتي بجوار الحائط كما يقولون و لم أكن سعيدا. لم أكن حتى راضيا.” يقول لنفسه. “ ما الذي سأخسره إن أقدمت على التجربة؟”
“ حياتك يا حبيبي.” تدّخلت روحه الكبيرة و روحه الثانية في نفس واحد. الأولى بالإشارة و الثانية مواء خافتا.
“ ستموت يا راجي في كل الأحوال، أنا شخصيا أفضل أن تموت و أنت تفعل شيئا جديدا و لو في مكان لا تعرفه عن أن تموت جوار الحائط أو في تلك البقعة التي تتأمل منها الكون من فوق شجرتك الأثيرة. اذهب و عش حياة جديدة. لا أحد يموت ناقص العمر.” قالت الروح الثالثة في تحد صريح لمواء الروحين السابقتين عليها.
“سبق و قلت لك أن ما تفكر في الإقدام عليه عبث لا طائل من ورائه. هل سمعت من قبل عن قط تحدى قطة حاكمة؟” ماءت الروح الخامسة بقرف واضح في موائها.
“ يكفي لك شرف المحاولة. يكفي لك أن توضح لباقي القطط امكانيات أخرى، رؤية أخرى للحياة. حتى لو لم تكن لديك الخبرة، السابقات لم يكن لهن أيضا خبرات. لا تنس ذلك. يكفي أن تمهد الأرض لطريق جديدة. حتى و إن لم تحقق ما تريده الآن، سيحققه من يؤمن بك و لو بعد حين.” أصرت روحه المغامرة.
تعطس روحه الموسوسة، “ اللعنة، لقد أصبت بالبرد بسبب قعدتك في العراء.”
تثاءبت روحه الكسولة و نامت دون أن تدلي بدلوها في الموضوع.
تمطّع راجي و اعتدل في جلسته و أخد يفكر.” عليّ أن آخذ قرار الليلة. صحيح أنه لم تحدد بعد أية اجراءات أو مواعيد محددة لكن عليّ أن أبدأ من نقطة ما.” قال لنفسه. نظر مجددا إلى الخريطة التي نقشها على الأرض. “ حسنا، أنا أعرف أنه لا يمكن عقد لقاءات كبيرة و موسعة مع قطط الجزيرة فالقانون الذي سنته القطة الحاكمة الأسبق منذ سنوات طويلة، و ما زال جاريا، يمنع ذلك، حفاظا على الهدوء.” تذكر حال أجداده عندما بلغهم الخبر و كان ما يزال قطيط مغمض العينين. كانوا يموؤن فيما بينهم همسا و أحيانا كثيرة يستخدمون لغة الاشارات، إذ لم ترغب القطة الحاكمة وقتها في سماع أيه أصوات عالية تشوش على تفكيرها و قراراتها التي لم تكن تناقش فيها أحدا. و من يسمع صوت مواءه عاليا كان يختفي. يختفي هكذا. يكون مثلا في مشوار أو يتنزه بمفرده، ثم لا يعود. يكون نائما وسط اخوانه من القطط، و يختفي. يستيقظ اخوانه صباحا لا يجدونه بجوارهم. و لا يعود. و هكذا بدأت القطط تصمت رويدا رويدا و لا تتحاور أو تتناقش إلا خفوتا أو إشارة. و مع الوقت اعتادت القطط الصمت و نسوا سببه الأصلي. ساد الهدوء بالفعل حتى كادت القطط الزائرة من جزر أخرى تظن أن سكان تلك الجزيرة أصابهم مرض غريب في حناجرهم جعلهم خرس أو ربما ولدوا هكذا. لم يكن أحد متأكدا من شيئ. تغيّر الوضع قليلا مع القطة الحاكمة الحالية التي سمحت بقليل من المواء بعد أن أشارت عليها قطة حاكمة في جزيرة أخرى أن عدم المواء بصوت عال نسبيا سوف يضر بجزيرتها. سوف تنقرض لأنه لن يحدث تزاوج بين تلك القطط الصامتة و بين القطط الأخري. و هو ما بدأت تلحظه بالفعل القطة الحاكمة. إذ تناقص عدد القطط بشكل كبير في السنوات الأخيرة، و قل عدد الزوار الذين لا يجدون قططا يلعبون معها و يتشاكسون و يتناغشون و من ثم يتعاشرون فيتكاثرون. و بالتالي فقد سمحت ببعض الأحاديث الجانبية على ألا تكون علنية و ألا يموء أكثر من ثلاث قطط في نفس الوقت. كان الأمر مربكا عندما بدأت القطط تحاول المواء بصوت مرتفع. كان مواءهم يبدو كحشرجة قط على وشك الموت أو كقطيط وليد يتعلم الأصوات. كان الأمر مضحكا أحيانا عندما تلتبس عليهم معاني الأصوات و يتصرفون وفق ما يفهمونه كأن يفهم قط نداء قطة على أنه رغبة منها فيهرع إليها فتنشب أظافرها في جلده و تعضه مثلا. لكن على كل حال، تحسن الوضع قليلا و أصبحت لغة المواء مفهومة و قل استخدام لغة الاشارات و كادت تقتصر على الأجداد الذين كانوا قد صمتوا لعقود من الزمن و لم يعد بإمكانهم استرجاع مواءهم بشكل طبيعي. استطاع الأبناء استعادة مواءهم إلى حد كبير، و أخدوا يعلمون طرق المواء المختلفة للجيل الجديد الذي كبر دون أن ينبس بأي مواء. لم تكن مهمة سهلة، لكن مع الوقت تعلّم الجيل الجديد و بدأ يموء بصوت عال و مفهوم و لكن بحذر. كان راجي من هذا الجيل الوسط الذي فقط صوته ثم استعاده ثم علّم أولاده. و الآن يريد أن يحكم الجزيرة و ينشر قيم الحرية و العدل و المواساة بين القطط جميعها إناثها و ذكورها.
توجه إلى بيت العائلة ليخبرهم بقراره. و كما توقع، ساد الهرج و المرج و ارتفعت أصوات المواء المختلفة ما بين معارض و مؤيد على استحياء، ما بين غاضب و ساخر، ما بين عويل و ضحك. أسرع أحد القطط بإغلاق النوافذ و هو ينظر إلى الشارع خشية أن تكون قطة هنا أو هناك قد سمعت ما يدور في البيت و تبلغ عنهم. لم تختلف الحوارات التي دارت في البيت بين أهله الكبار و الصغار عمّا دار بين أرواحه الست السابقة. لكن زاد عليها موضوع الأخطار الخارجية. “ ماذا ستفعل بشأن الهجمات التي تشنها الكائنات البرتقالية التي تسكن المحيط البنفسجي؟ ألم تر كيف تبدل لون القطط في الجزر الأخرى من جراء تلك الهجمات؟” ماءت إحدى القطط الإناث بصوت حاد، ثم أتبعت مواءها بمزيد من الاحتجاجات. “ ماذا ستفعل بشأن الغارات التي تشنها الرياح الصفراء المعادية لمناخ الجزيرة و التي تهاجم القطط و تجعلها تعطس ثلاث مرات في اليوم الواحد؟ ماذا ستفعل بشأن السمك الذي يرفض أن يدخل شباك صيد القطط حتى أوشكنا على مجاعة؟ ماذا ستفعل… “ قاطعها راجي، “ كفى، ماذا ستفعل، ماذا ستفعل.. و كأنني سأحكم الجزيرة بمفردي، و كأن ليس هناك قطط غيري… سنعمل كلنا معا لحل المشاكل و للدفاع عن حياتنا و جزيرتنا. معا و ليس بمفردي.” هكذا أنهى اللقاء مع أهله. سيخوض الانتخابات التي أعلنت القطة الحاكمة الموافقة على إجرائها لأول مرة في تاريخ الجزيرة، التي اعتادت توارث الحكم من أم لإبنة، و ذلك بعد ضغط و إلحاح من رئيسات و رؤساء بلاد أجنبية ممن يهتمون بحقوق القط.
هكذا أعلن بشكل حاسم و مواء خفيض. راجي رئيس الجزيرة.