loader
MaskImg

السرد

يعنى بالسرد القصصي والروائي

النَّائم بعين واحدة

breakLine


 

 

بولص آدم || قاص عراقي



هو رجل لم يعد يهتم برغبات استثنائية،عين مغمضة في الخد الغائر على عجينة الوسادة، تحدق عينه الثانية في الجدار القريب من أنفه بعد منتصف الليل..
عجوز لم يتخلى أبدا عن النوم بعين واحدة، عين مفتوحة احترفت الحذر، تسكب دمعا، ليس حزنا بل تصفية حساب! تتملى ببلاهة في عرض الظلال الباردة على الجدار، رسائل أقاص عتيقة، عينه التي ترى نقشة على الجدار، تُستضاف هناك في لوحة مربعة من ظل وضوء.
عرموطة المصباح قبالة النافذة في الشارع، معلقة براس عامود، ترسل حزمة ضوء، تصادف أوراق شجرة، تخترق النافذة، وتضع بهدؤ لوحة خيالات الظل، أشكال مسننة في لوحة الجدار رغم أنفه، تتفحصها بخوف، عين السياسي العجوز النائم بعين واحدة. لعبة يلهو بقراءة قلقها، عنفها المرمز، ترعبه، تستل الأخافة وتهدده، تعيد له جدولة كدس الأسرار والحيطة إزاء دسائس قادمة ذلك المستقبل القريب. جزء من ماض بعيد وإن كانت العين تتوهم زمنه طيلة السنوات المنصرمة، هذا إلهام لوظيفته وحيوية مناوراته وسحب البساط من تحت أقدام خصومه.
النائم بعين واحده، رُكِنَ على الرَّف، عجوز تقتات أيامه على مهملات خرفه. تخلوا منذ زمن بعيد حتى عن فكرة قتله، طالما جُمد، والرصاصة التي قيل بانها ولدت معه لتقتله، لم تستقر أبدا على جبينه بين عينيه، تركوه. عينه الجاحظة بيقضتها وإدمانها في سنوات الفعالية، لعبت دور تميمة وتورية مدح لبراعته في دهاليز الحكم، في التعبير عن بارود جوفه، مط المتغير ليشكِّل حضورا لابد من وهمه، ترسخ في اي منصب، تمت ترقيته، وأطلقت عليه مجلة الساعة، اسم اشتهر به هو، الرجل النائم بعين واحدة.
عين حمراء دامعة دوما، لم يفته تركيب عدسات لاصقة لها بألوان تناسب شؤون الساعة!
عينه، حبيبته، هادية حالته ليستمر كجزء لابد منه في مكانه، رفيقه في لياليه وهو يراقب الظلال الراقصة على الجدار بلؤم، في مربع صغير أمام عينه كاللعنة..  
تستمر تلك العين السحلية في حمقها، رغم أن ذلك لم يعد ضروريا، إلاَّ أنه ابن بار لعاداته وتراث لولا عينه لمَّا كان، أبى إلاَّ أن يكون النائم أنَّى كان بعين واحدة، رغم عذاباته إثر ضمور قدرته، في التفريق بين الصحو والنوم أو لحظة الخرف من عدمها.
تسأله زوجته إنْ كان عطشا؟ يجيبها كأنه يكلم شخصا في الجدار:
ـ هل مازال المليون في مكانه والمسدس في الثلاجه؟
تغادر العجوزة سرير السياسي، تدير نور الغرفة.. يطلق صرخة ممجوجة
ـ هل أُطفئ النور يا...؟
ـ أنا لاأُجيد لعبة الدومينو.
ـ هل تبولت قبل النوم؟
ـ بلغي لأفراد الحماية لأستئصال العرموطة.
زوجته التي قامت بدور الحامي الساهر، باتت رمزا أثريا يتحرك كالخيال لسلطة منقرضة أمام عينه. ترى عينه في وشم الظلال على الجدار مالايمكن أن يراه آخر غيره، يظهر شرخ بطول سنتيم بين نجيمات أوراق الشجرة الظلية على الجدار، يتعامد عليه ويقاطعه شرخ آخر كعلامة ضرب X ـ يظهر من نقطة التقاطع شكل يستطيل خارج وجه الجدار هو إصبع! لم يكن أكثر من سبابة شهرت واهتزت أمام وجهه، كانت إهانة قديمة تعود عليها لاحقا: 
ـ أنت؟ من يتقن إخفاء جرائمه، إحذر ـ
يومها، كان الذي يَعرِف بهزة رأس وعينه المفتوحة الساخرة كيف يمتص النقمة:
ـ إهدأ ياشاب أحمق، ما أثقلها من مزحة!
ذلك الأصبع يتبعه كف مضموم وذراع تجاهد في التخلص من زنزانة الجدار، وهي جزء من نصف جسد يخرج الآن من الجدار، بلحظة خارج التوقيت المألوف، لفظ رجلا يعرفه المستشار جيدا، هو الآن في غرفته..
بين عينه القاتلة والجدار، قال في سره:
ـ ثلاثة في الغرفة نحن الآن.
قال رجل الجدارية في سره:
ـ انت يامن فكر بكل شئ يؤدي إلى نجاته، عجبي، أنك لم تمد يدك لأنتشالي من جدارك وانقاذي!
هزَّ السبابة ولم يقل شيئا آخر، بقدر التاكيد على مبارزة عينه مع عين السياسي وهو يعرف صنفها، عاد الشاب بخطوتين إلى الوراء، بلعته نقطة التقاطع واختفى.