loader
MaskImg

السرد

يعنى بالسرد القصصي والروائي

روبوت أكتوبر إلى أرواح شهداء ثورة تشرين

breakLine

 


خلف حسين | قاص عراقي


دخان قنابل الغاز المسيل للدموع يخنق ليل بغداد ويملأ السماء بالسحب البيضاء الكثيفة كالضباب البابط على ،باب فبغداد مدينة لندن فجراً، فإذا كانت لندن مدينة الدخان

الساعة الواحدة بعد منتصف الليل م ليالي أكتوبر المضطربة، الوضع يزداد تعقيداً والأزمة تتفاقم، الصخب

يملأ شوارع بغداد الشوارع والساحات مليئة بالنفايات وبقايا العلب الفارغة وخراطيش الرصاص وأسطوانات القنابل والكمامات المتسخة بالسخام الفوضى تسود

ساحة التحرير والمطعم التركي أو جبل أحد" كما أطلق عليه المتظاهرون منذ اليوم الأول الذي اندلعت فيه شرارة الاعتصام مع بداية انطلاق شهر اكتوبر الاشتباكات تزداد حدة بين المتظاهرين وقوات مكافحة الشغب عند بداية جسر الجمهورية المؤدي إلى مركز الحكومة في المنطقة الخضراء، فحشود المتظاهرين الثائرة تحاول اجتياز الجسر
للوصول إلى هناك، لكن عناصر مكافحة الشغب يقفون في طريقهم لمنعهم من العبور وردعهم بشتى الوسائل قنابل الغاز المسيل للدموع، الرصاص الحي، تيارات الماء الساخن وبنادق الصيد الصراخ والشعارات وأصوات العيارات النارية تنسيد الموقف عشرات القتلى والجرحى تساقطوا من جهة المعتصمين، وسائقو مركبات التك تك يتسابقون كالجرذان الإسعاف المصابين ونقلهم إلى المستشفيات التي ازدحمت بمئات الجرحى.

هكذا بدت أجواء العاصمة ليلاً من السطح العلوي للمطعم التركي حيث يقف صانع الروبوت المهندس الميكانيكي وبرمجي الإلكترونيات مرتضى العاطل عن العمل منذ ستة عشر عاماً، يقف بجانب روبوته الذي صنعه منقطع مركبات التك تك المدمرة وإطاراتها المعدنية المحطمة مع خليط من أسطوانات قنابل الغاز وخراطيش البنادق إضافة إلى رفع من بقايا حطام السيارات المفخخة القديمة الصدئة وقطع خردة من الصفائح المعدنية التي جمعها من المزابل وأكوام القمامة التي تملأ ساحات الطمر الصحي في أطراف بغداد، فقد جمع كل تلك الأشياء وركبيها على شكل إنسان بحجم الإنسان الاعتيادي، حتى تكون شكل ذلك الروبوت الذي يقف بجانبه لبرمجته وتلقينه بما يتوجب عليه فعله وقوله عند تجربته للمرة الأولى. يقف أمامه فوق الطابق الخامس عشر، يضع على رأسه خوذة ويرتدي القناع الواقي من الغاز بوجهه، وعلى كتفيه يتدلى العلم العراقي معفود الطرفين حول رقبته، وبين يديه جهاز الأيباد المتصل لا سلكياً مع نظام التشغيل الخاص بالروبوت الذي أطلق عليه أسم (روبوت أكتوبر)، يقف الاثنان، الروبوت وأبوه مرتضى ويتطلعان إلى بغداد من الأعلى وهما يتأملان نهر دجلة الذي بدا لهما وديعاً حزيناً معاتباً تحت جسر الجمهورية.

لمس على شاشة الأيباد فعرضت أمامه شاشة الكترونية زرقاء في فضاء البناية العلوي. ظهرت على شاشة البيانات العارضة صورة الخريطة الجغرافية للمدينة وهي مفصولة بنهر دجلة خط بإصبعه حول رقعة تقع في الضفة الأخرى من النهر، مكسوة باللون الأخضر المتذبذب، يظهر ويختفي بسرعة للتأكيد على أهميتها. ثم بدأ مرتضى بتلقين الروبوت مدى أهمية هذه المنطقة وما يتوجب عليه فعله فقال بكلمات بطيئة متقطعة

هذا هو الهدف المنشود من وراء كل هذه الفوضى التي تحدث الآن في هذه البقعة الخضراء قال مشيراً بإصبعه عليا هناك كل من كان وراء ضياع بقايا القطع المعدنية التي صنعتك منها. هم السبب وراء الصدأ الذي يكسو غلافك

الخارجي والداخلي، فهم وراء كل هذه الندب العميلة المحفورة بجسدك وبداخلك الموحش، لكن مع ذلك فانا حاولت ترميمك لتنهض من جديد وتنتقم لما أصابك من ضرر

لمس على زر آخر فظهرت صور موزعة على المنطقة الخضراء بشكل فوضوي صور متعددة لأجساد أشخاص يرتدون ربطات العنق والبدلات الرسمية، رؤوس فقط ووجوههم مجهولة كتلك التي تظهر في تطبيق فيس بوك عند تسجيل الخروج والدخول. وأضاف:

كل ما عليك فعله عندما تصل هناك، هو أن تنحي كل شخص يرتدي (القاط) قالها باللفظة العامية يجب أن تزيح كل واحد عن الكرسي الذي يجلس عليه وتقذف بــه
خارجاً.

انتظر قليلاً بعد أن أنهى كلامه لحين انتهاء مدة إرسال بيانات الكلام، ثم ضغط على زر خزن (save) على شاشة الأيباد ثم أغلق الشاشة المرئية. بدأت أصوات المتظاهرين في الأسفل تتعالى بترديد الشعارات التي تمثل السبب الرئيس وراء خروجهم، وتحمل معنى مطالبهم التي جاؤوا من أجلها: "نريد وطن" "بالروح بالدم نفديك يـــــا عـــراق "شلع ... قلع ... كلكم حرامية"