loader
MaskImg

السرد

يعنى بالسرد القصصي والروائي

روح هائمة

breakLine

 

 

علي اكبر || قاص عراقي


روحي شفافة وخفيفة ، إذ يمكن للرياح أن تحملها أينما ذهبت لو أن لي ثقل يجعلها تستقر ، لو أنني لمرة واحدة بقيت في مكان واحد ، ولكن هيهات فالرياح قاسية ، أتنقل في الهواء والبر والبحر وحتى فوق الأسطح ، مرة حملتني الرياح وألقتني فوق بحرًا عميق ، وكنت انتقل في كل موجة منه ، سافرت في كل أمواج هذا البحر حتى سقطت فوق جثة طفل غريق، وكان قد نُقش على صدره كلماتٍ رقيقة تقول " كل القصائد التي كتبتها الأم لهذا الطفل كتبتها دون أن تتنفس ، ومرة بقيت في أحد السطوح ما يقارب الشهرين ، كنت حينها تحت سعفة سقطت علَيّ ، ثم انتلقت بعدها إلى سطحٍ آخر ، دهسني الكثير من الناس بأقدامهم ،  وأخذني في منقاره كل طير جائع ، ولكني في كل مرة أنزلق وأنجو لشدة خفّتي ، سقطت مرة فوق كتف فتاة وبقيت على كتفها خمسة أيام ، كانت عاشقة وحزينة ، وكانت حين تنام أسمعها وهي تذكر أسم حبيبها في الحلم ، وكانت تضم رسائلها خلف لوحة معلقة في الحائط ، ولكنني انتلقت إلى يد أخيها لأنه لمس كتفها بلطف في إحدى المرات ، وفي اليوم نفسه كان يلعب كرة القدم في الغرفة التي تنام بها ، وبالصدفة ضربت الكرة اللوحة فسقطت الرسالة ، وحين انحنى ليلتقطها انتلقت إلى الرسالة ، لا أذكر من ذلك شيء سوى أن الرجل وضع الرسالة خلف اللوحة كأنما لم يحدث شيء ، أنا في رسالة عاشقة خلف لوحة ، أنزلق من كلمة إلى أخرى ، وبقيت هناك لمدة خمسة عشر يومًا ، ولا أعلم سبب عدم قدوم العاشقة لرسائلها كل هذه المدة ، ولكنني وقعت في الحب ذلك اليوم ، لقد تنقلت من فوق ستين كلمة حب ، لا أذكر من هذه الكلمات سوى هذه " لقد استيقظ الأموات ، ألم أقل لك حين تقبلني لا تصدر صوتًا! " ثم جائت العاشقة بعد كل هذه المدة لتأخذ الرسائل وتلقيها من فوق السطح فتناثرت كلمات الحب في الهواء مع روحي ، سقطت على الأرض ، وانتقلت في حذاء طفل دهسني بقدمه ، بقيت تحت الحذاء ثلاثة أيام ، ثم انتقلت إلى يد أمه لأنها كانت تمسح بحذائه ، ثم بعدها سقطت على الأرض بفعل تصفيق الأم لأبنها حينما رأته يركض ، أخذتني موجة الهواء العالية بعيداً جداً ، وكنت كلما أكون على وشك السقوط ترفعني الرياح عالياً ، حتى سقطت في عين فتاة أخرى عاشقة ، أعجبني المكان ولكن لسوء الحظ كانت تبكي فسقطت على الأرض مبللاً ، حتى رأيت رجلًا من بعيد يركض ، وحين أوشك على الاقتراب مني تعثر وسقط على الأرض ، لم أرَ وقتها سوى راحة يديه التي حجبت عني ضوء الشمس وسقطت فوقي ، بقيت في خطوط يديه ، ولأن الوصول إلى هذا المكان بالنسبة للرياح صعب فإني بقيت في هذا المكان أكثر من أي مكان آخر ، كان الرجل دائم الذهاب إلى المقبرة ، وكان دائماً ما يطبع راحة يديه بقبلة وينفخها باتجاه القبر ، وهذا ما جعلني أتواجد الان فوق القبر قرابة الثلاثة أشهر ، أملي الوحيد أن يأتي هذا الرجل لزيارة القبر لعلني أنتقل حينها إلى مكان آخر أكثر أماناً ، فأنا هنا أشعر بالرعب لأنني في كل غروب أسمع صراخ الأرواح التي انتلقت فوق القبر مثلي تماماً .