loader
MaskImg

السرد

يعنى بالسرد القصصي والروائي

ساعة رولاكس

breakLine

 

 

 

 

 

 

أغصان الصالح || قاصة عراقيَّة

 

- هذه الساعة التي في يدك لا قيمة لها على الإطلاق.
هذا ما قاله الرجل الذي يقف بجانبي, بينما كنت أنا وهو ننتظر النادلة أن  تعدّ لنا  القهوة.
كانت جملته استفزازية، ولكنّي لم أكن مهتمة, لأنّي أعرف إلى ماذا يشير.
أخذت قهوتي، وجلست, أمّا هو فقد جلس على الطاولة المقابلة لي, كنّا نختلس النظرات بين الحين والآخر، مثل فهدين غاضبين من بعض، دخلت مجموعة من النساء الكبيرات في  السنّ للمقهى، لكن الطاولات مشغولة بالكامل, نهض الرجل من مكانه وطلب من السيدات الجلوس، قالت له إحدى السيدات:
- بإمكانك أن تجلس معنا.
قال لها:
- لا، سأشارك هذه السيدة طاولتها.
وأشار إليّ، تبًّا لك، ها هو يسدّد هدفًا في شباكي بكلّ لباقة, قلت في سرّي.
- أتمنّى أن لا يزعجك جلوسي هنا؟ 
- لا.
وبعد مرور لحظات من الصمت بيننا سألني:
- لماذا ساعتك غير مضبوطة؟ هل  تعرفين ماذا يعني ساعة رولاكس وغير مضبوطة؟
- ماذا يعني؟
- لا قيمة لهذه الساعة الثمينة تمامًا.
أسندت ظهري على الكرسي, وأخذت نفسًا عميقًا, كنت أودّ أن أخبره عن المواعيد التي لم أتاخر عليها، والوعود التي لم أنكث بها طوال حياتي, كنت أشبه بقطار يجري ساحقًا كلّ شيء يقف أمامه من دون أن أدرك قيمة العمر الذي تسرّب من بين يدي، الشعر الذي أصبح مثل أصابع البيانو, البشرة التي فقدت مرونتها, والذاكرة التي بدأت تتلاشى، وأشياء كثيرة خسرتها.
فما قيمة الوقت إن لم نستمتع بالعمر, الأصدقاء, والأشياء الثمينة حولنا, مثل هذه الساعة التي أحتفظ بها خشية أن تسرق أو أن تخدش، حتى تستمتع بهذه الأمور عليك أن تهمل شيئًا آخر، الخوف من الخسارة، وأن تترك الوقت يمرّ على مهل. بعد أن أدركت حجم خساراتي قرّرت أن أتغيّر, وأعتبر كلّ يوم هو أهمّ يوم في حياتي, أرتدي أفضل الثياب، أضع مساحيق التجميل، كأنّي على موعد مع براد بت، أعيد أميال ساعتي إلى الوراء, أترك لها حرية الدوران، لكنّي تراجعت عن الفكرة، وسألته:
- هل سبق لك وقدت قطارًا؟
- هل أبدو لك سائق قطار؟
- لا طبعًا.
- لكنّي أعتقد، فقط، سائقي القطارات بحاجة إلى ساعات مضبوطة.
- لماذا؟
- كي يصلوا في الوقت المحدّد، ويستمرّ العالم في رتابته، وتستمرّ الشمس بالشروق كلّ صباح.

- هل تعلم ماذا يحدث عندما يتأخرون أو يصلون مبكّرًا إلى المحطّة؟

- ماذا يحدث؟

- تتغيّر الأقدار بالكامل، ارتشفت ما تبقّى من قهوتي ونهضت.
قال:
- ستغادرين؟
- نعم، سينطلق القطار مبكّرًا من هذه المحطة.
أمسك بمعصمي، وقال:
- لحظة، دعيني أضبط ساعتي على ساعتك، عسى أن نلتقي مجدّدًا في محطة ما.
- لا أظنّ ذلك, لا يمكن لقطارين يسيران على سكّة حديدية واحدة، وفي الوقت نفسه، أن يلتقيا!