loader
MaskImg

السرد

يعنى بالسرد القصصي والروائي

سجين الأرواح المبعثرة

breakLine

 


زينب خضير الزبيدي / قاصة عراقية

 

تمايل بجسده المتعب والواهن
والذي كان يرزح تحت ملابسه الرطبةوالثقيلة تحرك قليلاً بخطواته المرهقة ، وقبل أن يجلس على الأريكة المهترئة ذات الفراش القطني المليء برائحة التبغ الرديء 
والذي كان يسبح فيه جو الغرفة الرمادية .. 
أشعل سيجارته الأثيرة وبدأ يعب دخانها دفعة واحدة
كانت الريح القادمة من النافذة تلفح وجهه كلما أرتطمت ظلفتيها ببعضهما البعض .. 
وتتحركت ظلال الستائر فيها مثل أشباح ترقص في ليلة رعب مصفدة الأضواء ..
والتي يجثم على أرضها كل الأثاث القديم الذي لا يصلح أن يكون حتى خردة ..
يتطاول الليل على جنباته لساعات.متواصلة .
ولا شيء سوى خراب الروح وخذلان الجسد .
تفوح من جدران البيت رائحة الرطوبة والذكريات العتيقة ..
فقد كان كل مافيه قديم ومتهالك ..
البلاط والستائر والسقوف وبقية السجاد البالِ .. 
فقد أنتهت معارك الزمن معه بهزيمة كبيرة ومريعة ،
بقي يلملم بقاياه في الرماد والغبار المتزايد والموبوء بالعطن والهواء الرطب والعناكب السادرة .
بدأت الأرجاء تومض بالصيحات والإيماءات ولاحت الأيدي وهي تتشابك فيما بينها هزلاً وصياحاً ..
أفتر ثغره عن نصف أبتسامة ..راقب فيها غير بعيد عنهم بعض الصور المشنوقة على الحائط ..ووجه أمه وأبيه وهما يصرخان ألماً ووحدة ، 
تحاول أمه جاهدة الأنعتاق والأنفلات من بوصلة هذا السجن الأبدي ..
وكان كلما أصاخ السمع .. يضحك بسعادة غامرة تخدر بقية إداركه ..
فقد كانت تتناهى إلى أذنه أصواتهم اللذيذة وهي تتعالى وتدعوا للتجمع للعب الورق والدومينو بينما يتراقص النرد بين أحضانهم ..يستنشق رائحة تحضيرات والدته من فطائر الجبن والحلوى وسماور الشاي بالهيل وأباريق القرنفل والقرفة  والحليب الساخن .
بدأت تتصاعد أدخنة السجائر ولفافات والده والتي كانت تملأ جو الغرفة بسعال رئته المريضه والمدمنه لقوة ما تحمله من الأفيون .
تتعالى أصوات الأصحاب ب المواويل والأغاني والحكايات الغامضة عن الأشباح التي تتحرك كلما هدأ الليل وسكن .
فقد كانت تعبق قبل سنوات طويلة تكاد تكون طويلة جداً 
في أجواء هذا البيت تجوب بشفافيتها كل مساء الغرف الكبيرة والممرات المتعددة لتتطوف بها إلى الآن حياة الألم والفوضى والوحدة المقيتة  .
لم يتبقى الآن منهم غير صادق التيه وحقيقة الصدى .
هو الآن يتعايش مع أطياف من رحلوا وتركوه يقاسي شظف الوحشة  .
فعلى الرغم من أنهم تسللوا من ثنايا المكان والزمان لأجيال متعاقبة.. إلا أنه يقسم للجميع أنه يراهم كل ليلة مجتمعين في غرف البيت يغالب معهم إلى نهايات الفجر ، رغبات النوم والوسن .