loader
MaskImg

السرد

يعنى بالسرد القصصي والروائي

سرد

breakLine

سلام إبراهيم | قاص عراقي


عاد بّي إلى ذلك الغروب الشاحب یوم دفّنا رفاقنا الثلاثة الذین قضوا في قصف زیوة، أبو الوسن ـ أبو سعد ـ أبو جواد.عدنا متعبین من تلك الظھیرة المھلكة وبصحبتنا كل من ـ عمودي ـ و ـ منذر ـ وكان الأخیر یھذي شاتما كل شيء ویتحدث بكلام غیر مترابط، بینما الأول یعید سرد أحداث تلك اللیلة المروعة التي قضوھا تحت القصف.في المساء قرر الرفاق الإنسحاب بإتجاه الشریط الحدودي العراقي ـ التركي والتوجه صوب المثلث التركي ـ العراقي ـ الإیراني حیث المقرات الرئیسیة. حملنا ما ھو مھم من وثائق وحاجیات، سرجنا البغال الثلاثة، وتجمعنا على فسحة ضیقة في السفح. كنت مع رفاق أربعة نرش النفط على الغرف والقاعة الكبیرة والمطبخ. كانت تنتابني مشاعر مختلطة عمیقة لا تنسى؛ أسف على أمكنة وجدت فیھا حریتي رغم مخاطر الموت وقسوة حیاة الجبل البدائیة یختلط بمشاعر رسخت في ذاكرتي من روایة ـ الحرب والسلام لـ ـ تولستوي ـ والروس یحرقون المدن وینسحبون أمام زحف ـ نابلیون ـ، یضاف إلى المجھول الذي ینتظرنا خلف القمة التي نقف على سفحھا. شعرت بمتعة خفیة لما حككتُ عود الثقاب بالكبریت فتوھج. رمیت به على القاعة المشبعة بالنفط فشبت النیران. كنا ثلاثة كلفنا بحرق المقر. صعدنا بعدھا خلف الرفاق الذین توقفوا عند منتصف السفح یرمقون النیران تتصاعد من أرجاء مقر ـ فصیل المكتب السیاسي ـ للحزب الشیوعي العراقي ـ. كتلة نار ھائلة تصاعدت في دقائق متوھجةً أضاءت وجوھنا في ذلك الغروب الحزین المضطرب بأصوات قذائف وانفجارات بعیدة.كان الجمیع یحملق مذھولاً غیر مصدق ما فعلناه، فقد أحرقنا كل ماكنا نحرص عليه من مستلزمات الحیاة. بدأنا بتسلق السفح الحاد والوعر. وقتھا كنت نشيطاً قویاً رغم أصابتي السابقة. كنتُ في المقدمة. كلما أرتفعنا یبدو المشھد تحتنا ساحراً كما في الأفلام والروایات. قافلة غالبیتھا رجال كبار السن وشباب مصابین في معارك سابقة؛ أبو نصار ـ جابر ھجیل ـ مقطوع الساق یركب بغلاً تقوده زوجته ـ أم نصار ـ.وزوجتي ـ ناھدة ـ)بھار(تحمل طفلتھما ـ لھیب ـ بنت الشھرین وبندقیتھا والحقیبة القماشة التي فیھا وثائقنا الحقیقیة. نصعد بعناء لاھثین وتحتنا في عمق الأودیة انتشر الظلام على إیقاع قصف یتخافت قلیلاً..قلیلا..بینما تتضاءل كتلة النار التي كانت مسكننا اللیلة الفائتة.ظللنا نسیر طوال اللیل في شعاب معتمة وطرٍق وعرة، إلى أن بلغنا سكان القرى الأكراد المتوجھین نحو نقاط معینة من الحدود التركیة، تبین لاحقاً أنھا نقاط عبور بین البلدین. نضطر للتوقف وقتاً قصیراً لتناول الطعام الذي كان عبارة عن لحوم معلبة وخبز حملناه معنا من المقر، فیفضي لنا سكان القرى الأھوال التي رأوھا. قتلى بالقصف.اعتقالات بالجملة لمن لم یتمكن من الھروب.شابة كردیة جمیلة الملامح من القرى المحیطة بالعمادیة، لا أنساھا ما حییت، تندب مولولة بغناء كردي حزین وتتمایل مثل سكرانة یمینا و شمالاً رافضة توسلات النسوة المحیطات بھا اللواتي یحاولن جعلھا تأكل قطعة خبز أو تشرب جرعة
ماء.سألت رجلاً من تلك القافلة عنھا.فأجابني:
ـ مسكینة..ضاعت ابنتھا أثناء عبورنا نھر ـ الشین ـ!.
ـ كم عمرھا؟ 
ـ خمس سنوات!.
كنا أخف وأسرع من قوافل الفلاحین الكرد المثقلین بالأطفال والزوجات ربات البیوت المسكینات، وما یتطلب وضعھم من مستلزمات.فھم خبروا مثل ھذه المحن، ویعرفون ما ینتظرھم من ظروف فقر مدقع وعناء في معسكرات اللجوء في دول الجوار.عبرنا عشرات القوافل الصاخبة بصراخ الأطفال وقرقعة أواني الطبخ المحملة على ظھور البغال.كانت الرحلة أشبه بحلم وكنت سعیداُ رغم المحنة، فحبیبتي ـ بھار ـ جواري تسیر نحو مجھول غامض في عتمة الجبل
حاملةً بنت رفیق معوق، متماسكةً، شامخةً تزیدني قوةً وعزماً، وأنا أصلاً أتوق إلى المغامرة منذ صباي وھاھي التجربة تلقي بّي صوب نھرھا الصاخب الذي لا أدري أین سیصُب؟!.اللقطة التي حدثت في الظلام في ذلك المسیر الوعر والتي لم أنَسھا أبداً ھي تلك الصرخة المباغتة التي أعقبھا صمٌت.كنا ننحدُر على سفح في ظلمة تشبه الفراغ حیث لا ترى حتى أصبعك.كنت أتلمس ما حولي باللمس وكان علّي وقتھا حمل ـ لھیب ـ ابنة)جابر(مقطوع الساق الراكب على بغٍل والمنحدر أمامي مباشرة في ذلك الصمت والظلمة ووقع أقدامنا الخافت سمعت صرخة مباغتة مكتومة تصدر من ـ أبو نصار ـ أعقبھا ضجة أقدام البغل الذي تعثر في الظلام بصخرة المنحدر.صرخة مكتومة وحیدة وساد صمٌت، فتوقفت القافلة. جمد ُت مشلولاً والطفلة بین یدي ھاتفاً مع نفسي:
ـ راح أبو نصار!.
تخیلته یسقط وھو مقطوع الساق فیرتطم رأسه في صخرة.تخیلته نازفاً، فشددت طفلته ـ لھیب ـ إلى صدري بقوة وكأنني بھذا الشد أحميه.بعد لحظات بدت كدھٍر سمعت صوته الموجوع ینادي الرفاق كي یساعدوه، فتنفست بعمق. مع إنبلاج الفجر أصبحنا في جوار معبر حدودي.تجمع على بابه سكان القرى الأكراد. عقدت المفرزة اجتماعًا تقرر فيه أن تنسلخ عوائل الأنصار عن القافلة لتدخل الأراضي التركیة حال السماح لھا بذلك مع جموع سكان القرى الأكراد.كنت وقتھا مستعداً لكل الأحتمالات، لكن زوجتي ـ بھار ـ رفضت ذلك القرار ھي والرفیقة ـ أم نصار ـ وھي غیر ـ أم نصار ـ زوجة ـ جابر ـ التي معنا في نفس القافلة، فھي ـ إبتسام زغیر ـ تعیش الآن في كندا.رفضت بدوافع لم یدرك سّرھا أحد، لكن دافع ـ ناھدة ـ أدرك سره كان أیدیولوجیاً یتعلق وقتھا بالنضال وطھر المثل التي تحتقر من یترك ساحة النضال.و ّدعنا رفاقنا من كبار السن،والعوائل الأنصاریة التي قبلت مصیرھا في البقاء مع جموع الأكراد على أمل العبور إلى الأراضي التركية
واصلنا المسیر في بقاع خاویة تشبه الأرض قبل خلق الإنسان.بقاع یصفر فیھا الصمت والفراغ، شعاب ودروب وطرق جبلیة موحشة.مررننا بقرى ھرب سكانھا.دخلنا بیوت مھجورة غادرھا أصحابھا على عجل تاركین أشیاءھم بمكانھا؛ قدٌر على نار مطفأة، صحون طعام مملوءة بالرز والمرق، ثیاب مبعثرة.یبدو أن القصف داھمھم فجأة مضاف إلى الھلع الذي تنشره الأخبار التي ینقلھا القادمون من العمق حیث خلفوا قتلاھم في أمكنتھا.كنا نبحث عن خبٍز وكساء.وتحسباً للقادم حملت إبتسام ـ أم نصار ـ و ـ بھار ـ أردیة كردیة قدیمة تركتھا العوائل الفارة، قد یحتجن إلیھا في حالة عبور الحدود.أردیة قرویات ھربَن بأرواحھن على إیقاع ذاك الرعب الذي عّم وقت زحف الجیش العراقي العائد من حربه مع إیران.مشینا یومین ولیلة.ومررنا بعشرات الحقول المحروقة، والبغال القتیلة، وجثث الفلاحین التي قضت بالقصف، والمرمیة على جانبي المسالك الجبلیة وفي فسحات السفوح.لم یكن لدینا وقت للتوقف ودفنھا، إذ كنا نسابق الزمن كي لا نحاصر في حالة سیطرة الجیش على القمم الحدودیة التي فیھا مواقع لربایا قدیمة اضطر إلى تركھا بسبب الحرب مع إیران. في صبیحٍة توقفنا للراحة وتناول وجبة الغداء جوار عین ماء دافقة. شوینا ما نحمل من لحم معلب. وبعد مداولات قررت قیادة المفرزة ترك العوائل والرفاق المتعبین مع جموع الأكراد المنتظرین على نقط حدودیة قریبة، یعني أنا و بھار، أم نصار و زوجھا، وبصحبتنا ـ أبو حاتم ـ)مناف الأعسم(الذي كان وقتھا یعاني من مشكلة بفقرات ظھره. بررت قیادة المفرزة قرارھا؛ لصعوبة وخطورة المرحلة الأخرى من الطریق الموصل حتى المثلث الحدودي، فسوف تضطر إلى الدخول مرات عدة عبر الجبال التركیة وسط ربایا وقرى كردستان تركیا.أتذكر مدى حرقة ـ أم نصار ـ أقدم نصیرة في كردستان، إذ ظلت تبكي مفجوعةً وكأن عزیزاً لھا مات للتو. بقینا مع شخصین من أكراد تركیا یمتون بصلة قربى لرفاق لنا.سرنا من الساع الثانیة عشرة ظھراً وحتى ھبوط
المساء. عند حافة سفح في الظلام طلبا منا تسلیم بنادقنا قائلین:
ـ سنخبئھا لحین عودتكم!.
كان قولھم كذبا بیناً!.نزعنا بنادقنا وسلمناھا لأحدھم فاختفى بھا على الفور، بینما الثاني أكمل المشوار معنا. في اللحظة التي سلمت فیھا بندقیتي واللیل یساقط رذاذ عتمته أحسست بعجزي ووحدتي واستسلامي التام لمصیٍر مجھول. قادانا عبر ممر ضیق على السفح عبر قمة الجبل فأطللننا على مشھٍد جدیٍر بكامیرا من كامیرات الأفلام الكلاسیكیة التي تحكي مأساة جماعیة زمن الحروب والتشرد. مشھد جعلنا نتوقف لا شعوریاً مبھورین. تحتنا ترامى واٍد ضیق یعُج بنیران وضجیج جموع الأكراد النازحة المنتظرة عند بوابة الحدود على امل السماح لھا بالدخول.قال لنا:
ـ تنزلون مع ھذه الجموع ومصیركم مصیرھم!.
وغاب ھو الآخر في الظلام. بقینا لحظات مشدوھین قبل أن أتحرك وأقول:
ـ ھیا بنا!.
انحدرنا نتعثر بخطانا المخذولة، فضوء النیران المشتعلة في عمق الوادي تعتم المسلك الضیق النازل.كان ضجیج الحیاة یتصاعد صاخباًمن الحشود الملتمة حول النیران، قرقعة أواني طبخ، صیاح، مناداة، ضجة، دخان یتصاعد.أحسسنا بصخب الحیاة الصاعدة من الوادي یطرد شعور الوحشة لتركنا من قبل الرفاق ونزع سلاحنا، فالمرء دون بندقیة یشعر زمن الحرب أنه عاٍر فعلاً. قبل أن نصل عمق الوادي ونخلتط بالحشد، قامت الرفیقتان بتبدیل ملابسھما خلف أكمة فألقین عنھن رداء البیشمرگه المكون من شروال وقمیص، ولبسن ثیاب القرویات الكردیات الطویلة الفضفاضة الصارخة الألوان. اختلطنا بالحشد، والعوائل تتجمع حول نیران متقدة. تطبخ. تغلي الماء لتخدیر الشاي.كان كل شيء مفتوحاً، فالمحنة وحدت الناس وجعلتھم عائلة واحدة تواجه اللیل والغد المجھول، وھي محاصرة بین حرس الحدود التركي الذي لم یسمح لھم بالدخول
منذ عدة أیام وبین الجیش العراقي المتقدم سریعاًمن الشریط الحدودي.جلسنا مع عائلة، فقدمت لنا الطعام والماء والشاي، ووزعت علینا بطانیات خفیفة، فالوقت أواخر الثامن واللیل بارد في الجبل. لا أدري كیف مرت تلك اللیلة المضاءة بنیران المواقد حیث یحشر الحطب المجلوب من السفوح القریبة بین حواجز صخریة!. كنت أعیش جواً أحس أنني عشته سابقاً لكن في باطن روایات تحكي عن حروب أھلیة وجوع وتشرد ورعب وحیاة فاقة وتضامن ونیران في لیاٍل مظلمة مثل ھذه تضیئھا نیران مثل ھذه النیران.أجواء ذكرتني بروایة ـ عناقید الغضب ـ لجون شتینباك، وأجواء ـ مائة عام من العزلة ـ لماركیز. ھاأنذا في خضم روایة حقیقیة شخوصھا من لحم ودم، زوجتي رفیقتي وزوجھا، الرفاق الذین تركونا وضاعوا في الشعاب و لاندري ھل یصلون أو لا؟!. وجموع العوائل بأطفالھا وأحمالھا ورجالھا ونسائھا الطاعنین في السن الذین یروون لبعضھم على ضوء النیران المتأججة أھوال ما جرى لھم في طریق إنسحابھم الطویل، والحاجز الحدودي التركي القریب حیث یقف الحرس متأھبین شاھرین أسلحتھم على أھبة الاستعداد لأي طارئ قرب بنایات واطئة السقوف مضاءة بمصابیح خافتة الضوء تشرف على طریق عریض یسع لمرور مركبة.سمعتُ قصصاً تبدو مثل خیال، عن أمھات فقدن أطفالھن في القصف، أو أثناء عبور نھر ـ الشین ـ و ـ الزاب ـ أو عن أم كانت تبكي طوال الوقت فزوجھا أصابته شظیة وابنھا الرضیع ارتطم رأسه بصخور مسلك فمات على الفور عندما تعثر البغل وسقط على ركبتیه، وابنتھا بنت العشر سنوات كانت في زیارة لأختھا الساكنة في قریة على السفح المقابل للجبل حُصِر ْت ولا تعرف مصیرھا. قصص تروى وراویھا یحكیھا إما باكیاً وإما مذھولاً على إیقاع الوادي الضیق الضاج بأصوات تنادي، وصراخ أطفال، وحوافر بغال تراوح في مكانھا. قمت من مكاني فسألتني زوجتي:
ـ إلى أین؟!
ـ سأقوم بجولة وأعود!.
ـ خاف تضیع!
علقت ضاحكاً:
ـ كلنا ضایعین!.
وأردفت:
ـ لا تخافین..سأرجع!.
خطوت بین أكداس البشر المتناثرة كأشلاء على فسحة الوادي الضیق، وعلى ضوء نیران تلقم بالحطب الجاف كلما خفتت رأیت ما لا یحصى من الوجوه والأجساد المنھكة، تروى قصصاً.
تعري أجسادھا المحروقة، المبقعة بالفقاعات، المسلوخة بغازات الكیمیاء. تسعل سعالاًمخنوقاً. تصرخ بألم. تغفو مجھدة. صخب وصراخ وقصص، وسؤال حاسم یتردد كل لحظة یقول:
ـ ھل سیسمح حرس الحدود التركي بدخولنا؟
سؤال مؤرق، فإذا كان الجواب بلا معنى ذلك سیمسكنا الجیش العراقي مثل دجاج، ویقودنا إلى جھنم خبّرھا الكرد في أعقاب حرب1975حینما خسر ـ ملا مصطفى البرزاني ـ الجولة بسبب ـ كركوك ـ واتفافیة الجزائر بین العراق ونظام الشاه، لا زالوا یتذكرون ظروف تھجریھم إلى مدن صحراویة في قضاء عفك التابع لمدینتي ـ الدیوانیة ـ التي لا تزال مقابر الأكراد شاخصة فیھا، وإلى نواحي الرمادي البعیدة، ونقرة السلمان التابعة لمدینة السماوة في عمق الصحراء الممتدة حتى الحدود السعودیة.أذاقوھم الویل في تلك التجربة.وھذا الھلع الباین على الوجوه قادماً من قصص ورعب تلك السنین، لذا كان أمل فتح الحدود حلماً وباب خلاص..لا عذاباً…جدیداً حیث معسكرات اللجوء والتشرد والضیاع جبتُ الوادي من الطرف إلى الطرف متأملاً الوجوه والأجساد والنیران. استوقفتني وجوه صبایا كردیات القرى البعیدة بجمالھا الفتّان النقي. وجوه وذوات بریة، شدیدة البراءة لم تر شارعاً مبلطاً، جمالھا خالص، ھاھي تحت ناظري مشردة لكنھا مبتسمة وكأن ما یجري ھو شيء من اللھو واللعب سرعان ما سینتھى ویعدَن إلى قراھنَّ البعیدة. عكس ما كان یرتسم بوجوه الأمھات والأباء والشیوخ منَھٍم وتأمٍل وخشیٍة. كنت مستسلماً لقدري مثل استسلام الصبایا الكردیات لمجرى الأمور. اكتشفت ذلك الشعور في جولتي بین مجامیع الأكراد المتحلقین حول دوائر النار.. وبغتة ھَّب الجمع فزعاً صارخاً بصوت تردد صداه بأرجاء الوادي على دربكة انھیار صخري ھبط من أعلى السفح الحاد باتجاه الفسحة المكتظة. صرخ الحشد بدوٍي لا ینسى مصحوبا بھدیر تدحرج صخور عملاقة یتردد صداه في عمق الوادي، ویصم آذان الجموع.أقول عملاقة ھكذا أحسسناھا في الظلام، وتعجبت وقتھا متسائلاً عن تضامن الطبیعة بسفحھا الحاد مع الجیش العراقي الزاحف، إذ أفزعت الجمع المرعوب أصلا.لكن الصخور لم تصل الفسحة بل راحت في مسارب أخرى في الوادي. عدتُ إلى حلقة نیران زوجتي، فوجدتھا تًدوّر عینیھا القلقتین باحثةً عني عقب صراخ الحشد، وما أن رأتني حتى ھبت نحوی وعانقتني بشدة ھامسةً:
ـ وین صرت موتت حیلي!.