loader
MaskImg

السرد

يعنى بالسرد القصصي والروائي

صمٌ بكمٌ لا يفقهون

breakLine

 

علي رحمن / قاص عراقي

 

ظلامٌ، ظلام كان يُرافقني مُنذ أن عَرفت روح الحياة بين طيات الديجور ضاعت ملامح الألوان و تفاصيل الأماكنِ والإنسان حتى الأحلام كانت رمادية مُبعثرة و وجهي الذي أتحسسه في كل صباح   
-ياااه ! كم اصبحت شيخًا كبيرًا و لم أعرف شكلي بعد.   
أذنبي أنني اعمى ؟  
تنهدت وقلت: لا بأس   
حملتُ ثقلي على كاهلي و ذهبتُ اتحسس اثاث الغرفة لأكتب بطريق  "القَافَة" و التي علمتني عليها مُعلمتي حين كنت في الابتدائية بعد أن التمست روح الكتابة فيَّ، والبداهة و سرعة الفهم.   
جلستُ على الاريكة التي اخبرني المساعد في دار ذوي الأحتياجات الخاصة التي كنت اقطن به أن لونها بنُي داكن، ههه رُبما أنا أعمى لكن هذا المساعد  اخرق فأنا لم أرى غير الرمادي لونًا حتى  هذا اليوم.  

تحسستُ الغبار الذي على الطاولة والذي لم يُنظف مِن شهور بسبب التقشف لذي يمر بهِ البلاد  وتقاعس العمال عن العمل، تخبطت قليلاً حتى امسكتُ بالألة وبدأت اسرد ما في داخلي من الفساد الأداري إلى اسغلال الحكومة و نهبها مال الفقراء و الضرائب التي فُرِضت على المواطنين  العُزل قسرًا إلى رضوخ الشعب واتباعهم القطيع، مُتناسين ثَوراتهم و غضبهم لأجل وطن يَحفظ بهِ حق الفقير ولكن الآن تغير ُكُل هذا، و غيرها مِن مشاكل المُجتمع و أننا يجب أن نكون عونًا لِبعضنا و الكثير الكثر مِما هو خلف السِتارة خبأه شعبٌ يخشى السُلطة، قررت أن أخرج في الهواء الطلق لاستجمع أفكاري و أنا أحمِل ما كتبتهُ بيدي مع ما كتبتُ قبلها من سنوات وما نشرت منها في الصحف والمجلات لكن لم تكن هناك حياةٌ لمن تنادي  فحين يغيب الوعي و يصبح الكتاب كومة ورق تعتق على إدراج المكاتب فهُنا نقراء السلام على الأمة "فلا خير في أمهٍ لا تقرأ". خرجت رويدًا رويدًا مُرتديا حذائي ذو الملمس الجلدي المُهتري من مُقدمته وكأعمى تعود أن يتحسس الجدران و يشعر بذرات الأسمنت و التُراب تداعب يده  وبحركة بطيئة فتحتُ الباب فأحسست بنسمات الهواء العليل تُداعب جلدي  و أصوات الأشجار حين يرُاقصها الريح والشمس كانت تلُقي السلام علي شرايّني و اوردتي فأكاد أشعرُ بِدفئها في دمي ، أمشي بخطواتٍ متقاربة و أنا أسمع أصوات الأشخاص من حولي و القطة البعيدة الجائعة بكل دقة، ثم فجأة! اصطدمتُ بِأحدهم، صوت انفاسه مرتفع يبدو أنه كان يَركُض .

قلت: مابِك إلا ترى، أأنت الأعمى أم أنا؟  
فسمعت تمتمات و أصوات غير مفهومة تتعلثم في فمه جمل تلامس حِباله الصوتية لكنها تخَرِج خائبة بلا صوتٍ يسُمع  قلت بغضب: ما بكَ أتسخر مني!؟   
احسست بحركة خاطفة أخذ بها آلة الكتابة من يدي و اعادها  تحسست ما كتب، اووه! إنه من الصم و البْكم 
 فقلت له: لابأس، لم يحدث شيء . 
اخذ المقال من يدي صرخت فيه واخبرته بأن يعيده .  
بعد بضع دقائق سمعت صوت تصفيق و كلمات أعجاب تتحشد و لكنها تأبى الخُروج عرفت بأنه أعجب بما كتبت ، أخذ بيدي و مشى مُسرعًا سألته إلى أين؟ لكنه استمر بالمشي مُسرعًا. لقد تغير الطقس واختفى صوت الأشجار لابد أننا دخلنا،  اجلسني وبعد دقائق سمعت صوت المساعدة وهي تقول له:حسنًا،ساكتبه على اللوحة الآن.  

وبعد دقائق قليلة سمعت الكثير من التصفيق والهمهمات و أصوات الإعجاب غير المفهومة .  
احسست بخطوات تتقدم نحوي وصوت الكعب الذي يحدث صرير في 
الارضية لابد إنها المساعدة قالت: يبدو أن حَسن أعجب بمقالك فأحضرك إلى هُنا ليقرأه أصدقائه البكم أيضا.  
لحظات صمت مرت بي، و الكثير من علامات التعجُب في رأسي  
لقد فرحت كثيرًا أن هُناك من يهتم لما أكتب رغم مُعاناتي لسنوات بأن أوصل صوتي للناس. تشكرت منهم و وعدتهم بأن اعُيد الزيارة.   
عدت لغرُفتي استلقيت على الفراش وأنا اتحسس ابتسامتي و لأول مرة أكون سعيد بما أنا عليه منذ أن ولدت، لقد ادركت أن الإعاقة الحقيقية هي اعاقة  العقل وإن المجتمع و أن كان مبصرًا ولديه صوتٌ يجُاهر به  فهو يتظاهر بالصَمم لا يدافع عن حقه  و يغُلق عيناه عن الواقع و أن العمى الحقيقي هو عمى الضمير لأنهُ عين الحق التي تنتشِاُلنا مِن هذا الخراب.