loader
MaskImg

السرد

يعنى بالسرد القصصي والروائي

عُشةُ الغُرابِ

breakLine

 

 


أحمد علي بادي || قاص يمني

 


كالحرب وجدوها فجأة على الأرض!
أهالي قرية (الزُعُيلة) تلك القرية التي لا تكاد تسمع فيها نباحا لكلب أو صياحا لديك، والتي تقف خلفها بمسافة قريبة جدا، قالوا أنهم حين استيقظوا ذات صباح رأوها وقد صارت مزروعة عند ذلك المفرق، وحيث ينتهي زحف الأفعى الإسفلتية.
الآن صار بإمكانك أن تقف عندها لتنفض عنك غبار السفر أو لتأخذ قسطا من الراحة..
1
دعك من اسمها الباعث على القلق والذي اشتهرت به.
2
دعك من ذلك الرجل الذي ستجده أمامها وهو يبتسم لك – ليريك فمه الأشبه بأنقاض بيت مهجور يوحي لك بخروج الخفافيش في أية لحظة – ثم يسألك إذا كنت تريد تفقد سيارتك، ويدعوك بعدها للتوجه إليها قائلا بصوت دعائي:
-عندنا شراب، ماء،…
3
دعك من ذلك الشاب صاحب الوجه المحنط الذي سيعترض طريقك بكرسيه المتحرك وأنت تتقدم نحوها، ليمد لك راحة يده وفوقها عدة رصاصات خاصة بالكلانشكوف، وهو يغريك بالشراء واستعداده ليؤمن لك أي عدد تريد أو حتى إذا كنت ترغب بقطعة سلاح.
4
دعك من ذلك الصوت الأجش الذي سيقفز نحو وجهك حين تصل إلى الباب قائلا عبارته المعتادة:
-أي خدمات؟
لتتفاجأ أنه ليس إلا لامرأة قد احتلت بقعة واسعة على الأرض، وفي حجرها أوراق قات وسيجارة قد اشتعل رأسها وخنقت بين إصبعيها، ولتجد حتى وجهها غير قادر على إقناعك كثيرا بأنها أنثى، لولا النهدان الجاثمان على صدرها وحجمهما الموحي ببطيختين قد توارتا خلف الثوب المهلهل.
5
دعك من تلك المساحة الداخلية والتي لم تكن تتوقعها وهي تداهم عينيك، وذلك العدد من السلع وقد توزعت مكونة البقالة.
6
دعك من ذلك الاسترسال المفاجئ في الحديث معك من تلك المرأة التي لم تقتنع بأنوثتها الكاملة بعد أن ترمي سؤالك عليها وأنت تطلب منها علبة مياه غازية:
-لكم كثير هنا؟
فترد عليك وهي تزيد من تعذيب السيجارة حين تضعها بين شفتيها الغليظتين ثم ترفع وريقة قات وتقوم بلوكها:
-لنا خمسة شهور، نزحنا من الحرب في منطقتنا، ذاك زوجي والشاب الجالس على الكرسي ابني أصابته شظية ومعنا باقي ثلاث بنات وولد صغير، وكان معنا بقالة وبيت…
ليقطع حديثها ذلك الرجل صاحب الابتسامة الموحشة بعد أن عاد إليك قائلا بحماس:
-سيارتك صارت عروسة!
7
دعك من تلك الفتاة التي ستنتبه لها فجأة وهي تتحرك عند الرفوف بجسدها الثائر على الثوب الذي ترتديه لتعيد لك الشعور بالأنثى الذي كنت قد فقدته ثم تنحني مرتبة بعض السلع، فيسيل لعاب عينيك لثمرتي مانجو قد تدليتا من غصنهما.
8
دعك من مداهمة الليل لك، ومداعبة النشوة لروحك حين تعود فتخبرك المرأة صاحبة الصوت الأجش، بأن هناك قسما في العشة يمكنك النوم فيه، فتذهب إليه متأبطا معك طيف الفتاة الذي لم يدعك، وأنت كمراهق يحلم بأوضاع نوم مختلفة يرسمها الشبق.
9
دعني أقل لك في النهاية:
أني تمنيت بعدها لو ذهبت إلى سيارتي وإن لاحقني طيف تلك الفتاة، وجعلني أجلس الليل بطوله، لعلي أعرف عندها سر الدراجات النارية؛ تلك التي تأتي إلى باب العشة، فتقف لفترة ثم تنطلق مبعثرة بصوتها أطناب الهدوء التي بدأ يضربها في المكان، وأنتظر حتى تلوح لي الخيوط الأولى من الضوء، فأقوم حينها بمسح وجهي وإن كان النوم لم يحضر ليكتب شيئا عليه، دون أن أعود لتلك العشة، فأستوي خلف عجلة القيادة، وأدير المحرك، قبل أن أنطلق مخلفا ورائي سحابة من الدخان.