loader
MaskImg

السرد

يعنى بالسرد القصصي والروائي

فصل من رواية مزرعة الجنرالات

breakLine

فصل من رواية مزرعة الجنرالات

 .​

عبدالنبي فرج – كاتب مصري 

 

 

أنا الراوي؛ الذي ظللت اكتب طوال حياتيالمديدة،ولاأعرف لماذا استمرَرْتُ في الكتابة طوال هذهالمدة؟ هل هو تنبيه لغافل كما دلنا الأقدمون؟ أم هيرغبة في الحكي، لاستعراض مهارة ، أم أن هذاالفعل "الكتابة" نداهة تختار من تختار وتسحبه إلىفخها، وتستنزفه بالقوة لا بالاختيار؟ وإن كانت - فيكل الأحوال - محاولتي لنشر هذه الأوراق نوعاً منقهر ذاتي حتي أوافق وأقوم بنشر هذه المادة. فكرتبالفعل فيما فعله أبو حيان التوحيدي الذي أحرقمؤلفاته ، أو أوصى بحرقها كما فعل كافكا، ولكنياستصغرت هذه الكتابة بالمقارنة بهذين العملاقين. بدأت في كتابه هذه الشذرات، التي قمت بتشذيبهامرات يصعب عدها، حتي أصبحت على ما هي عليهالآن.

أتذكر يوم فكرت في الكتابة وأنا صبيّ، بالضبط يومكنا مجموعة من الصحاب وكنا الأشد شقاوةً ، فلاننام ليلاً أو نهاراً. كانت الشياطين تنام الظهيرة،ونحن نسرح في الأماكن المهجورة ،عند المشرحةنصطاد سحالي، ونقوم بتكسير زجاج فصولالمدرسة وتقطيع الزهور والورود من سرايا "الست" أو نتلصص علي شقق المهاجرين. وذات يوم قالصديق:

ـ تيجوا نوقعوا عربية البودفر اللي تحمل  التين منسيدي عيسى موسى

وفرحنا بالفكرة حتى أنني رقصت من الفرح والنشوة.

ـ فُكيرة، فُكيرة ...

بدأنا الصياح والرقص، علي وقع الكلمة. كانت هذهأعظم وأخطر فكرة راودتنا، فكنا بهذا الفعل نسبقكل ما قامت بيه العيال قبلنا، واخترنا مكاناً منحنياً،حيث لا أحد يرانا ونحن نحفر الخندق الذي حرصناأن يكون بعمق حوالي مترين، في طريق عجلالسيارات البودفر التي تحمل أقفاص التين من"المردة" بجوار سيدي عيسى موسى، ثم غطيناهابالحطب وفرشنا فوق الحطب شكائر فارغة منالإسمنت وساويناها بالتراب ولبدنا في الذرة فيانتظار ماذا سيحدث؟

مرت السيارة الأولي ، تنوء بحملها، وعندما مرت علىالحفرة ، وانحرفت على جانبها، سقطت مرة واحدةوتبعثر التين وتحول معظمة إلى عجين، ومات في تلكالحادثة ثلاثة من عائلة واحدة، وخمسة من باقيالعائلات، ولم ينج سوي رجل قصير ضئيل كحشرة. يبدو عصبيا وقد خرج من الكابينة مغبراً، يجري فيالمكان دون أن يدري لماذا ؟

ثم يعود ينظر إلى القتلى، وبعد فترة يبدو أنه تذكرأن السائق، مازال محشورا في الكبينة، ينازع الموت. 

تقدم من السيارة وأخذ يحاول فتح الباب، وعندمافشل، مد يده واحضر كوريك السيارة، وأخذ يضربفي الباب بعنف، حتي انكسر الباب، شد في الرجلفوجده محشوراً بسبب تطبيق صفيح الكابينة علىبطنه، أخذ يشد ذراعه بقوة، وعنف، والرجل يئنبصوت خافت، حتى سقط علي الأرض، وذراع الرجلمسلوتة في يده والدم ينزف منها ، كان يأسنا بالفعلحتى ينظر إلى المجهول وفي يديه يد الرجل لم يرمهاحتى تحولت في يديه وكانها عصا يرقص بها ،يخاطب المجهول ويشاور بيد الرجل وقد أصبح فيأشد الحالات جنونا، ونزقا، خرج يصيح:

"ليس أمامنا خيار سوى شن الحرب" ، لضمانمستقبل أقرب للماضي، الذي يحمينا من الفناء، ثمسحب بندقيته ورفعها علامة النصر وأخذ يلقيبقصيدة شعبية في تبتل روحاني:

"كلمة الرب هي بندقيتي المصوبة علي رأسك ليسأمامك خيار."

واندفع في شوارع البلدة، يحصد رؤوساً، بقوةالسلاح، ولم ينته النهار إلا وعشرات القتلى أشلاءفي الشوارع.

ومن يوم المعركة وأنا أشعر بأني مدين ليس لهؤلاءالقتلى فقط بل مدين لهذه البلدة. 

وأعترف بأنني، على رغم العمر الطويل الذي عشته،لا أعرف إن كنت رددت هذا الدين أم لا، وفعلتالواجب، الذي أنا في الأصل مدين به، لهذه البلدة،وإن كنت أردد في شبه يأس أبدي، وبروح مشتتةوفي غاية القلق:

"هذه البلدة تستحق *الكثير مما هي عليه لأنها أمعظيمة "

ما هذه الحياة إلا متاع الغرور كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ

محمد سليم

................... 

هوامش

* بتصرف من كتاب عالم ماك

* برنار لويس مفكر أمريكي معاصر