loader
MaskImg

السرد

يعنى بالسرد القصصي والروائي

فَمٌ مُغلق

breakLine

محمد جبر حسن | قاص عراقي

انزوى لوحدهِ مبتعداً عن الجميع الذين لم يسمعوا يوماً كلامه، كان كلما يريد أن يقول رأيه في أمر تنهال عليه الاعتراضات وكلمات الممانعة تارة من أبيه وتارة أُخرى من أُمّه وحتى أُخوته:
أُسكت.. كلامك ليس هذا وقته.. أُسكت كلامك ليس في محله.. أُسكت هذا مخالف لعاداتنا وديننا!
وعندما اشتد عوده صار يسمع كلمة أُسكت بطريقة أُخرى.. أُسكت لكي لا يزعل منك الآخرون.. 
أُسكت لا تتكلم حتى لا يأخذك زوار الفجر و يأخذونا معك..
لذلك احتفظ بحروفه مرغماً تحت لسانه وامتلأ بها صدره، وكلما همَّ ان يخرج بعضاً منها تتراءى له كلمة (أُسكت) كبيرة تغطي الفضاء الذي أمامه فيسكت لئلا يلاقي ما اخافوه منه.
لازمه خجل من الكلام مع الآخرين مشوب بخوف يتخفى تحت ظلال عينيه، يرتعب من كل كلمة يريد أن يقولها، لذلك اخذ بالابتعاد عن أقرب الناس إليه.
بين الحين والآخر يستمع لجدالٍ ما بين نفسه وما يسمعه من والديه وأُخوته، جدال عَلقَ في سقفِ فضاء غرفته فينظرُ الى الأعلى ويضع يده قرب فمه.. عليه أن يقول.. يتكلم.. عليه أن لا يبقى ساكتاً مثلما يريدون..
ها هو في ملاذهِ الذي شهد دموعه وحزنه وسمع آهاته، ملاذهُ الذي ليس له غيره، قرر أن يضع حدّاً لكل ذلك، أغلقَ الباب وأسدلَ الستارة والتفت يميناً وشمالاً واستجمع قواه ووقف أمام الجدار، بوجلٍ شديد حاول أن يفتح فمه لينطق كلمات محبوسة في جوفه فتذكّر قول والده:
(بُني إن للحيطان آذان)، توقف ونظرَ الى حافتي الجدار مرعوباً دون أن ينطق كلمة..
بعد سنوات وجدوا اسمه في سجلات احدى الدوائر الأمنية.