loader
MaskImg

السرد

يعنى بالسرد القصصي والروائي

معاينة تافهة

breakLine

 


حسين ابراهيم / قاص لبناني

 

في لحظة أبدية من اللاجدوى، رحتُ أحدق في تمثال صغير لدرويش فرح، ينتصب فوق الرف الثالث لمكتبتي؛ لقد بدا مصنوعا من الفخار. ودون مبرر، بدأتُ أعاين الفوارق التي تكمن بيني وبين تلك القطعة الأثرية.
وبعد سويعات شاقة من التدقيق المجِد، استخلصتُ الفارق الوحيد بيني وبينها ألا وهو الحجم! باستثناء ذلك، نحن متعادلان. فكلانا عاطل عن العمل، بل وعاطل عن الحركة حتى؛ لقد أخبروني مؤخرا أن وباء التصلب أصبح متفشيا في البلاد...
المهم، أين كنا؟ أجل... كلانا يرغب في الرقص، في الدوران حول نفسه، وحول الكون. بل إننا نرغب في أن نكون مركز الكون كذلك، وأن تدور حولنا الأشياء كما ندور حولها. لكننا لا نستطيع..
لماذا يا ترى؟! آه... ربما لأننا مجرد قطعتي فخار تغصان بالغبار!
ثم أخذتْ دائرة المعاينة تكبر لتشمل كل قطعة في غرفتي. فوجدتني أتشارك مع النافذة هشاشة زجاجها، والبصمات الوسخة التي تخلفها عيون الفضوليين عليها.
ومع الكتب، سذاجتها في احتوائها للاشيء ولكل شيء، وفي أغلفتها البالية وصفحاتها التي لا تجيد سوى الثرثرة.
ومع الوسادة، فروها الذي يمتص كل يوم أمطارا من الدموع واللعاب، والأحلام التافهة التي تنسكب عليها مع شمع الأذن.
وفجأة شتتتني عن دراستي المضنية تلك، بعوضة شفطت على غفلة مني، دما يسقي على الأقل خمس عائلات من البعوض، وبعوضتين تائهتين في الصحراء.
وإذ بي أحاول معاينة الفوارق بيني وبين تلك البعوضة، ففشلت!
لقد كانت تفوقني بأشياء كثيرة، لكنني لم أحسدها. بل فضّلتُ أن أظل قطعة فخار مُغبرّة فوق رف مهمل من رفوف الحياة، على أن أكون بعوضة! .