loader
MaskImg

السرد

يعنى بالسرد القصصي والروائي

مَجـاز البيانـو

breakLine

 

 

دارين زكريا || قاصة سورية


كانت تلمعُ في عينيّ الطفل كقصيدة وليدة اللحظة، تلك الفراشة الزّرقاء و هي تجاري رقّة النّسيم في طيرانها النّاعم. 
يركضُ وراءها بعفويّةٍ تفوقُ جمالها، علّه يصطاد أوّلَ أحلامه. أمّه ذات العينين الخضراوين، تركض وراءه بسعادة مرافقةٍ للخوف مِن أنْ يقعَ طفلها في أوّل طموحه الصّغير و هو التقاط الفراشة السماويّة ذات الدوائر الصّفراء الغافية على جناحيها كشمسين متنافستين على التشكّل. 
الرّبيعُ هنا في باريس عاصمة السّحر، أكثرَ من قبلاته المتوالية لشجر المدينةِ، فتحوّلتْ إلى عرائس بثيابٍ بيضاء و ورديّة مصْطفّة على جانبيّ الطرقات وراء بعضها البعض... تنتظر زفّتها.
الفراشة تحتفل أيضاً بعرسِ الربيع، و تغري الولد و أمّه بتتبع مسارها,تدخلُ في شارعٍ هادئ ينزوي بنفسه عن الضجّة المعتادة متغاوياًبأشجاره المُزهرة, ثمّ يدعوها التّعبُ أن تحطّ على شجرةٍ تمدّ رأسها للأعلى كأنها أميرة الطّريق المتحضّرة للثمةٍ مباغتةٍ من فارسٍ سماوي.
يقف الطفلُ الأشقر بعمره الذي يتجاوز السّنة بخمسة شهور، أنيقاً بسرواله الجينز وقميصه الأبيض الموشّى بخيطٍ أزرق ناعم على ياقته، بوجهه المدوّر و خدّيه الشبيهين بتفاحةٍ طازجة، مراقباً بعينيه الخضراوين الحالمتين فراشتَهُ، يمدّ يدهُ للأعلى و يهَمْهم بكلمات غير مفهومة. 
لا أحدَ سيَعيها إلا أمّه الواقفة وراءه كالملاك الحارسِ و التي أورثته جيناتها الجماليّة.

- حسناً.. حسناً يا حبيبي، سألتقط لكَ الفراشَةَ حينَ تنزلُ إلى الأسفل، سننتظرها سوياً.
تضعُ الأمّ يدها على البيانو المركونِ بإهمالٍ تحتَ الشّجرة, فتسمعُ الآه من فمه على شكل نوتة وحيدة تائهة في المدى الذي يضيق بحزنها.
تقولُ في نفسها: ما الذي أتى بالبيانو إلى هنا!؟ مَن قاسي القلب الذي استغنى عن هذه الآلة الموسيقيّة الأرستقراطية الانتماء!
تجلسُ على الكرسيّ المُهمل برفقة البيانو, كرسيّهُ الذي شاركهُ كلّ لحظات حياتهِ، واضعة صغيرها في حضنها الدافئ. تملّسُ بعطف أمّعلى خشبِهِ الزّان ذي اللون البنيّ الغامق، و الذي من الواضح أنّ صانعَهُ يتمتّعُ بحرفيّةِ عالية، فهذا ما يظهرهُ النقش النّاعم المسجّى على كامل حوافّه و أقدامهِ الأربعة، إضافة لملمسه الذي يعادلُ ملمسَ صبيّة تتعرّف حديثاً على معالمِ أنوثتها.

- يالَبؤسِك أيها البيانو... أنت مثلي وحيد لا سَند لكَ في شارع الحياةِ الواسع هذا. 
البُكاء الناعم لطفلها يقطعُ تسلّـلَ وحش الحُزن لقلبها، يمنعهُ من قضمِ قطعة منه على عُجالة.
- آه... حبيبي لابدّ أنّك جائع. تخرج قنينةَ الحليب و ترضعه حتى يغفى في حضنها كصغير عصفور أتعبهُ الطيران.
الجوّ يحظى باهتمام أمّه الطبيعة أيضاً... دافئ و محبّب للجميع اليوم.
جاذبيّة اللون الأبيض و الأسود الخاص بمفاتيح البيانو، يغري أصابعَ الأمّ بالعزف عليها، بالـرّغم من عدم إلمامها بالعزف إلا أنها تهوى النّغمَ المرتبطَ بسنوات طفولتهـا الأولى، كثيراً ما غَفتْ عيناها بتأثير عزفٍ يشبِهُ الأثير، لكن ذاكرتها البعيدة لا تُسعفها بتذكّر التفاصيل(مَن و كيف و لماذا؟)
تنقر على المفاتيح و النّغم المنبعث منها يغريها للابتسام و المتابعة... القلّةُ من المارين في الشارع نفسه، ينظرونَ إلى مكان البيانو و إليها باستغرابٍ، لكنّهم يبتسمون لهذا التوافق اللّطيف بين أصابعٍ أميّـة العزفِ و مفاتيح موسيقى تشتهي مَن يحنّ عليها بلمساتٍ تُنسيها وحشَتها. 
بعدَ دقائق لم تعد الأمّ تنتبهُ للمارّة، فتعاسة وحدة البيانو جعلتها تتذكّرُ وحدتها أيضاً مع هذا الطفل المظلوم، رغمَ حرصها على وهبه حباً وحناناً مضاعفاً، علّه لا ينتبه لغياب الأب في حياته.
نعم لقد تركها مع هذه المسؤوليّة الكبيرة دون إعانةٍ أو اهتمام و لا حتى اتصال. حُبّ السّمراء الإيطاليّة، أخذهُ كلّه... قلباً و جسداً و عاطفة.
دمعةٌ سخيةٌ تدفئ خدّها الورديّ, ما زالتْ في الخامسةِ والثلاثين من عمرها وما زالَ الجمالُ يسردُ سيرتَهُ على وجهها و جسدها المتناسقِ كآلة الكمان. 
على المرأة أن تولي أنوثتها الاهتمام الأكبر بشكلٍ دائم بغضّ النّظر عن وفرة الجمال الذي وهبها إياه الخالق أو قلّته، فكلّ امرأة يلعقها الجمالُ من جهة معيّنة أو لربما من جهات عديدة، لكن عليها أن تحبّ روحها وجسدَها كما تحبّ أطفالها أو ما يزيد، لأنّ الأطفال سيكبرونَ وتتعاطاهم حياتهم الخاصّة، أما مرآتها فستعُـدّ عليها تجاعيدها بندمٍ كثيرٍ كلّ ليلة.
كانت إيڤا واعيَةً تماماً لهذه النقطة، لذلك أغدَقَتْ على نفسها اهتماماً يومياً، يجعلها ترى ابتسامة المرآة لها كلما استرقتْ النظرَ إليها، بالرّغم من أن الحياة ضنّتْ عليها بابتسامة رضا طوالَ هذه السّنة.
كانتْ تحبّ ستيفن حباً جماً بالرغم من أن جيبهُ اشتكى قلّة النقود في حضنه لمدّة طويلة، و هذا ما جعلها تستغني في أوّل أربع سنواتٍ عن الشعور بدفء الحليب في ثدييها... عن الأمومة حُلم كلّ أنثى ريثما تتحسّن ظروفه الماديّة على حدّ قوله، لم تكن تعلم بأن جيوبه عندما ستشعرُ بالشبعِ المادّي فيما بعد، ستخدم فتاتهُ الإيطالية جودي بدلاً منها.
الآهُ تخرجُ من فمها مُسترسلة مع حُزنها، الذي بدأ يفتحُ لها ملفاتٍ كثيرة من ذاكرتها، فتوقِفها فكرةٌ في رأسها تقول: عليّ مَسح صورته من ذاكرتي، عليّ أن أعيشَ في الحاضر، الحياة ستكرُمني بحبٍّجديد وسعادة غير متوقّعة، أنا واثقة من ذلك.
واستْ إيڤا نفسها بيقين بهذه الكلمات، و هي تضمّ هِبَةَ السّماء البريئة ماكس إلى حضنها أكثر، ثمّ تقول لهُ بالرّغم من أنه نائم: ما رأيكَ أن نذهب الآن يا حبيبي؟ ستزوركَ فراشتُكَ في الغد و نلعبُ معها سوياً.
تكذبُ الأمّهاتُ و نصدقهنّ... لكنّ كذباتهن مثل رشّاتِ العطر تهبنا شعوراً آنياً بالنشوة و تعدُنا بأيامٍ ملوّنة بالهناء المُنتظر.
ودّعتْ إيڤا البيانو بلمسةٍ مَشتْ على طولِ جسدهِ المتعب من همّ المستقبل... ابتسامتها الخفيفة وهبتْهُ طمأنينةً لا تفسيرَ لها. 
الجمادات أيضاً لها ذبذبات تصلُكَ بها، لذلك حينما نرى شيئاً ما كآلة موسيقية أو تحفة أو لربما قطعة ملابس، نشعر بأننا أحببناها ! لماذا؟... لأن ذبذباتها تتفق مع ذبذباتنا.
لطالما نشعر أحياناً بصِلة روحيّة مع مكان أو شيء ما، كصلتنا بأشيائنا القديمة أو مكان ولادتنا أو عطر نبتة كانت تعتني بها أمهاتنا يوماً. 
مشتْ إيڤا بخطوات بطيئة حاملة براءة ماكس الصغير، و الريحُ تلعبُ بشعرها الأشقر الناعم هامسةً في أذنها: القادمُ أجمل.
استوحشَ البيانو وحدتهُ تحتَ الشّجرة ذات الكسوةِ الورديّة, بينما صاحبتهُ المرأة العجوزُ تراقبُ ابتعادَ المرأة الغريبة و طفلها عنه.
في الحقيقة المرأة العجوز لم تكن صاحبتهُ، بل كان البيانو ملكاً لزوجها الفنان ألكسندر.
ألكسندر كان يسكنُ الموسيقى و الموسيقى تسكُنه, يعيشها وتعيشه.... يأكلها و تأكله، قضى معظم لياليه و هو يحتضنُ هذا البيانو، أو لربما البيانو كان يحتضنه، كان بعد استيقاظه يشربُ قهوته بجانبه قبلَ الاستسلام لحياته اليومية في الذهاب إلى معهد الموسيقى، ليعلّمَ طلابه كيفَ يعشقونَ الموسيقى و كيفَ تعشقهم.. كيف يَحيوها و تحياهم. تخرّجَ من تحت يديه كثير من العازفين المشهورين و غدوا معروفين عالمياً، و بالرغم من تفوّقه عليهم مهنياً في العزف و هَـوسِ الموسيقى، إلا أن حصّته من الشهرة كانت قليلة، اقتصرتْ على بعض الحفلات في مدن فرنسا فحسب، لم تأتِه الفرص المناسبة مثلهم، أو لربما لم يذهبْ هو إليها.
صحيح أنه حظيَ بتبجيلٍ كبيرٍ من قبل طلابه و مريدي الموسيقى والمطربين أيضاً، إلا أنّه رفضَ تلحين أغانيهم، لاعتقاده بأنّ الموسيقىعالم سحريّ خاص مكتمل بنفسه، وبأنّ الكلامَ يخدشُ عظمة لغتها المفهومة للبشر بل و لكلّ الكائنات، و لم يرضَ بالتالي أن يكونَ قائدأوركسترا لأيّ من المطربين الذين عرضوا عليه هذا العمل.
كان مكتفياً بأنثاه الموسيقى , ملتزماً بوجوده الدائم في حضنها محاولاً التنصّل من العالم الحقيقي , هكذا... كان له اعتقادات خاصّة تمسّكَ بها طيلةَ حياته، و هذا ما أثارَ حنقَ زوجته سيلينا الراغبة بمستوى معيشة أفضل، السفر و المجوهرات و الشهرة، إلا أنّ ألكسندر لم يحقق لها أمنياتها التي كانت تعتبرها في متناول اليد إن غيّرَ من اعتقاداته ومبادئه، التي كثيراً ما استهزأتْ بها ناعتة إياها بالعقد و أثارتْ المشكلات ليتخلّى عنها، لكن دون جدوى.
الكارثةُ الكُبرى لمريدي الفنّ أو الإبداع على اختلاف أنواعهم، هيمشاركة الحياة بشكل قسري مع الذين لا ينتمون إلى عوالمهم الفريدة، مع مَن لا يستطيعون تلمّسَ الخيالَ مثلهم و لا التلذّذ بما يخلقهُ من مقطوعات موسيقيّة أو لوحات فنيّة أو نصوص كتابية.
الحقيقة أنّ الكثيرَ من أولاد الخيال يموتونَ في رحم المبدع نتيجة وجودهم بجانب من لا يشبهونهم، للأسف. 
سيلينا شريكة الموسيقار العظيم ألكسندر كرهتْ الموسيقى كرهاً جماً، و كان شعورها تجاه  كلّ الآلات الموسيقية على أنها ضرّة لها. 
لم يشفِ غليلها أنها حوّلتْ معيشة زوجها الواقعيّة في البيت إلى جحيمٍ، جعله يهربُ منه إلى عالم الموسيقى أو إلى الشارع و الحدائق و البارات، لتجنّب صوتها الذي يشبه نعيب الغراب و سحنتها التي تحوّلتْ برفقة الحنق و الكره لسحنة العجوز الشمطاء في قصص الأطفال، بل قامتْ بالانتقام من كلّ الآلات الموسيقية التي كانت تؤنسُ وحدة ألكسندر فيما مضى و تنقلهُ إلى عالمه المشتهى الذي أهداه الرضا و السّكينة... عالم الشفافية التي لم تفهَمها يوماً، نظراً لتبلّد شعورها بها، فقامتْ بعد وفاتهِ بأيامٍ قليلة، بما تمنّتهُ منذ زمن طويل و تخلّصتْ من  كلّ الآلات الموسيقية , لم يبقَ في بيتها سوى هذا البيانو الذي تكرههُ كرهها للسُّعال الذي يمتلكُ حنجرتها كلّ صباح من كثرة التدخين.
لم تعرف في البداية كيف تتخلّص منه نظراً لكبر حجمه، فكانتْ كلّ صباح بشعرها البنيّ المنكوش و قوامها النحيل و معالم وجهها الشبيهة بالسحلية إلى حدّ كبير، تركلهُ بقدمها و تلحقهُ بوابلٍ من الشتائم، بالرغم من أنّه يفتقد للأذنين و المشاعر... يفتقد للّسان الذي يردّ به عليها، لكنّ هذا لم يثنِ حقدها تجاهه على مرّ السنين من التعبير الصريح على شكل صراخ.
من الممكن أن يحوّلنا الغضب إلى مجانين نكلّم الجمادات أو الهواء أو أنفسنا... نعم هذا ممكن جداً، أوليسَ كذلك؟
الناجي الوحيد هو ألكسندر، ماتَ وتخلّصَ من قبحها الإنساني.
البيانو المسكين، حملهُ عاملان بأمر منها و أنزلاهُ من الطابق الثاني إلى الأرضِ، هنا تحتَ الشّجرة ريثما تجد حلاً أفضل للتخلّص من وجوده في الحي كله، لكنّ البيانو سعيد هنا و هو بعيد عن متناول يدها... بعيدٌ عن نعيقها الذي لا يُطاق، يشعرُ بالأنس كلّما داعبتْ الريحُ جسدَه أو استأثرتْ زهرة شاردة الجلوس عليه بدلَ التعلّقِ بغصنها طيلة الوقت، " تغيير الأمكنة مهمٌ جداً "
كمْ فرحَ بأنامل الأمّ التي كانت تضمّ طفلها في الظهيرة، و كم استأنَس بعيون المارّة و هم يناظرونَهُ باستغرابٍ طوال اليوم، تمنّى لو أنه يمتلك نعمةَ الكلام ليشرح لهم حالَهُ في الماضي و سببَ وجوده المحبّب إلى قلبه هنا.
" لو أنّ للجمادات ألسنة... كيف كانتْ ستكون حياتنا بوجودها يا ترى ؟ "
لفّهُ الليلُ بوشاحهِ الأسود و هدهدتْه النسائم الباردة كي لا يشعر بظلم الوحدةِ، هكذا حتى غفا البيانو الحزين السّعيد في مكانه الجديد.
أرسلتْ الشمسُ تحيّاتها الحارّة إلى باريس، يبدو أنها تحاولُ استرضاءها قبلَ أن يأتي صديقها الشّتاء و يصبّ مزاجهُ البارد على جسدها الفرنسيّ المغري.

أصابعُ الأربعينيّ المنتمي إلى العرق الأصفر كانت أوّل من داعبتْ مفاتيحَ صديقنا هذا الصّباح، أصابعهُ المنمّقة أعادتْ إلى المفاتيحِ شغفها بالحياة، عزَفَ عليها بحرفيّة، بينما صديقاه الرجلُ الطويل ذو السّحنة الفرنسيّة الأرستقراطيّة و حبيبتهُ الفاتنة التي تلفّ يدهُ خصرها بحرصٍ لطيف الملمس كأنها تحفة كريستاليّة نادرة يخافُ عليها من الضّياع، يدندنان معهُ أغنيةً كلاسيكيّة و هما يطرقان الأرض طرقاً خفيفاً بأقدامهما، كأنهما يدعوانها للاستيقاظ المبكّر، فالحياة مليئة بالشغف، لمن يعرف كيفَ يعيشها، و يؤكّدان كلّ حين على ذلك بقبلةٍ سريعةٍ تفيضُ من الحبّ عسلاً صافياً.
" العسلُ لا ينتمي إلى النحلِ فحسب... بل إلى الحبّ أيضاً "
أوشينو يبتسم لهما كلّما صحا من سكرةِ روحه التي تحملُ الموسيقى على جناحيها و تطوفُ بها في الأفق... رأسه المُتمايل ذو الشّعر الطويل البنيّ الغامق و عيناه اللتان يغمضهما كلّ حين كانتا تطوفان مع الموسيقى على ظهر روحه أيضاً. كانوا يسافرون معاً إلى عالمٍ شفافٍ آخر.
أوشينو خالي القلب بعثَ برسالةٍ موسيقيّةٍ واضحة إلى الكون تقول: أحبّك.
و ما إن انتهى منها حتى سمعَ تصفيقاً حاراً و كلمات إعجاب تُرضي أناه من المارّة الذينَ تجمّعوا حوله مع صديقيه، لم يثنِهم وقتهم الضّيّق من سرقة لحظات المتعة من الزمن.
نعم المتعةُ تؤخذ من الزّمن لأنّه لا يمنّ على شركائه باللحظة بالكثير مما يملك، علينا سَلب ما نريدهُ منه طوعاً أو غصباً.
ذهبَ كلٌّ إلى عمله، و تابع الثّلاثةُ طريقهم أيضاً في تفرّعات الحياة الكثيرة.

أكلتْ لحظات الوحدة سلينا أرملة ألكسندر، فقررتْ زيارة ابنتها ماريّا التي تمتلك مطعماً راقياً في مدينة (جيفرني) الواقعة على الجهة الشمالية لنهر السّين التي عاش فيها الرسّام الفرنسي “كلود مونيه“،و هي تبعد عن باريس قرابة /80/ كم. 
صناعةُ الطعام الشهي أيضاً فنّ، لكنه فنٌّ مختلف تماماً عن جنون الموسيقى، تتقبله سلينا بكلّ حبّ و رضا عن ابنتها الهادئةِ الطّموحة.
ماريا لا تشبه أمّها ولا والدها، فلم تأخذ من مورثاتهم الكثيرَ، بل طغتْ عليها جينات جدتها والدة أمّها التي كانت بارعة في فنّ الطبخ , مميزةبوصفاتها و طرائقها المختلفة في إعداد الأطباق الشهيّة على اختلاف أنواعها، تتلمذتْ ماريا على يد جدّتها في الصّغر في هذا المجال، لكنّها كانت طموحة أكثر فطوّرتْ نفسها في هذا المنحى من خلال الوصفات العالمية التي تعلمتها من الكتب و الإنترنت، ثمّ أقنعتْ زوجها المسالم بإقامة هذا المطعم الذي ابتدأ صغيراً ثمّ كبر شيئاً فشيئاً، حتى أصبح له سمعة ممتازة تغري الزبائن من المدنِ و القرى المجاورة بزيارته للتمتع بالوجبات الشهيّة المميزة.
نستطيعُ أن نحقق ما نصبو إليه إن وُجدتْ العزيمة و المثابرة، و لقد كانت هاتان الصفتان موجودتين و بقوّة عند ماريا التي بَنتْ حلمها لبنةً لبنة، على عكس أبيها وأخيها الذي غاب منذ عشر سنوات، و لم تصلهما من أخباره ما يُسكتُ و لو بعض قلق أمّه على مصيره الغامض.

البيانو مازال يحظى باهتمام الشارعِ و ساكنيه، آثرت الكثير من زهور الشجرة أن تغفى على خشبه البنيّ كأنّها عاشقة لا تحتاجُ من حبيبها إلا الضم... الضمّ فحسب.
حماماتُ الحيّ تبدأ أحاديثها و تنهيه على ظهره، الكثيرُ من الجيران المارّة يقفون بجانبه يمدّونَ أصابعهم إلى قسماته العريقة، يشمَلونهُ في بدايات حديثهم و يأسفونَ لموت صاحبه و لمصير البيانو المجهول، ثمّ ينتقلون بحديثهم الذي يظنّونَ في بداية الترحيب ببعضهم أنه سيكونَ قصيراً، إلا أنه يمتدّ فيما بعد لنصف ساعة أو ما يزيد، يتكلمونَ عن عائلاتهم.. أعمالهم و انشغالاتهم اليومية، ثمّ تفرّقهم فيما بعد كلمة نلتقي أو اهتمّ بنفسك.
هذا ما جعلَ البيانو يحبّ موقعه الجديد حيث أنّه بدأ يستمتع بضجّة الحياة وأصابعِ الأطفال التي تريد تفريغ طاقتها الكبيرة على مفاتيحه الطويلة، وهم يتخيّلونَ أنهم عازفون مشهورون عالمياً، و يمارسونَ فنّهم بحضرةِ كمّ هائل من الجمهور الذي سيصفق لهم بحرارة، فيبتسمونَ لأحلامهم الكبيرة، و ينهونَ يومهم ببعض المشاجرات حولَ من كان يتفوّق على الآخر بالعزف، لكنهم ينسون أحلامهم بعد أن يغرقوا في نومهم العميق كما نسيها آباؤهم قبلهم, حيثُ أثبتت الدراسات العلميّة بأن هناكَ خمسة من بين مئة من البشر يحققون طموحاتهم فعلياً، و البقيّة تظلّ أحلامهم في خيالهم فحسب، تسحبهم دائرةُ الرّاحة إلى وسطها، فيبقون داخلها كالقطط السّاميّة، يستمتعون بكسلهم و يلومون الظروف و الأهل و الأوضاع و البلد ... إلخ, يرمون عليهم أسباب عدم تحقيقهم لأمانيهم أو عدم تميزهم ثم يتمدّدون تحت التراب برفقة أحلامهم , كأنهم لم يمروا على الحياة فينساهم تأريخها.
إيڤا و طفلها ماكس كانت لهما أيضاً زيارات كثيرة للبيانو، فلقد كثرت الفراشات هناك، بل و العصافير و الحمام اللطيف، كان محيط البيانو مصدرَ فرح لماكس الصغير وأمّه التي تفرحُ لسعادة ابنها الوحيد.

- مقعدُ البيانو مشغول اليوم يا حبيبي، ما رأيكَ أن نجلسَ على المقعد المقابل؟ سنشتري بعض الكعكَ المحلّى وكوبين من (الشوكولاتة) الدّافئة ونستمتع بتناولهما هناك... قالتْ إيڤا لولدها الذي وافقَ على الفور، فهناكَ شوكولاتة دافئة و كعك محلّى سيسعد فمه الصغير بهما، و هذا سيغنيه عن ملاحقة الفراشات والسّير وراء الحمَام لإطعامه بعض فتات البسكويت أو الخبز الذي تحضّره له أمه في العادة للاستمتاع بلحظات العطاءِ.
" العطاء دون انتظار مقابل يجلبُ السعادة للنفس البشرية". 
شعره الأشقر ناعم لكنّه كثيف و طويل يتدلّى من تحت قبعته البنيّة، التي تشبه قبعات رعاة البقر لكنها بحجم أصغر، سروال جينز تحتسترة بنيّة من الجلد، وجهه مغطّى بذقن كثيفةٍ أيضاً، كتفان عريضان و طول يبدو فارعاً... تنظر إيڤا باستغراب إلى هذا الرجل الذي يبدو في أول الثلاثين و يشغل كرسي البيانو اليوم، بل بالأحرى يبدو كأنه خُلقَ ليجلس على كرسيّ الموسيقى, كان يبدو أنّه وسط مملكته.
نعم لم يكذّبها إحساسها أبداً، ها قد بدأ العزفَ على البيانو و كأنّه يستعيد حياةً كاملةً، كانت هاربَة منه، يغمض عينيه مُسلّماً نفسهللموسيقى, يهزّ برأسه يمنةً و يسرة... ذقنه يتحرّك للأسفل و للأعلى, لا يشعر بأحد من حوله... يحسّ فقط باللحن الذي يُحلّق به إلى أسرّة الغيم ربما، أو إلى النميمة الدائرةِ بين اللغز النائم في عمق البحر مع مرجانه، لربما يتلمّسُ حتى حيرة المدى في الوصول إلى ضالته. 
بدأ الناس يتجمّعُون حوله، بل أخذوا يأتون من الشّوارع الأخرى، يشدّهم هذا اللحن الحزين المتقن لتقديم نفسه بحنكةٍ غير مقصودة.
الموسيقى تشبِهُ الحَسَنات التي تكتبها الملائكة وتزيد عليها بعشرة أضعاف، يأتيها البشرُ راضيين مرضيين، ليطهّروا نفوسَهم من السّواد الذي تغلغلَ في أرواحهم خلسةً أو عن سبق إصرار، و تراكم حتى غدا شبيهاً بجبال سوداء مع مرور الأعوام، فأصبَحتْ ألبابُهم لا تطيق حِملَها، وآثرت التخلّص منها اليوم على شارع الموسيقى، فتبتسم شفاههم لا إرادياً نتيجةَ الرّاحة النفسيّة التي حصلوا عليها بالمجان.
الموسيقى أمسكتْ بأنامل الثلاثيني ما يزيد عن ساعتين، كأنها عاشقة اهتدتْ إلى حبيبها بعد غياب زادَ عن سنتيّ شوق، فآثرت تعويض ما فاتها من البُعد باستحواذٍ يشبهُ ضمّة الروح.
برفقٍ كبير، أنزلت الموسيقى العازفَ من العالم الأعلى... من عالمِ اللحن الخرافيّ إلى أرض الواقع، حين سمِعتْ معه عبارات الإعجاب الكثيرة والتصفيق والتهليل من قبل التجمع البشري الذي كان يغصّ به المكان و ينساهُ لربما الزمان.
تخلّى العازفُ عن كرسيه الموجود خلفَ البيانو، و وقف بفخرٍ أرضى روحهُ ليحيّي جمهوره المفاجئ، أنزلَ قبعتهُ من فوق رأسه الذي حناهُ إلى الأسفل قليلاً كتحيّة شكرٍ للناس الذين استمتعوا بما أعطاهم كمااستمتعَ بما وهبوه من محبّة وإجلال.
حينَ رفعَ رأسهُ، لعبت المصادفة هنا لعبتها الجميلة، علقتْ عيناهُ بعيني إيڤا المتطلّعةِ إليه بإعجابٍ شديد كالآخرين من حولها، و هي تحملُ ماكس بيدٍ و كوبَ (الشوكولاتة) الساخنة الخاص بطفلها بالأخرى. عيناها الخضراوان غابتان طابَ لهُ التّعمّق بسحر حديثهما الصامت، ليس لسحر الأخضر سطوة تزيدُ عنه إلا سطوة الأمومة التي شدّتْهُ إليها أكثر، لربما كان يودّ أن يكونَ العازفُ للحظة ماكس الصغير.
خَلا لهما المكان، استفردا باللحظاتِ سوياً بعد أن انفضّ الناسُ كلّ إلى عمله، ظلّتْ إيڤا متسمّرةً في مكانها، تنشغلُ بابنها تارةً وبخطواتِ العازف نحوها تارةً أخرى.
الأوربيون لا يتكلّفونَ كثيراً  في لحظات التعارف، لا يكلّفونَ هذا الأمرَ أكثرَ مما يحتمل، يتقدّمون بكلّ ثقة و عفوية نحو لحظة التعارفِ الأولى، يعبّرونَ عن إعجابهم بمجرد أن يلمحوا نظرة تهمّ بالموافقة عليه، يؤمن معظمهم بقانون (عش الآن.. عش اللحظة) بقدْر كثير .
" نحن لا نستطيع أن نغيّر من ماضينا كما لا نستطيع التنبّؤ بالمستقبل إن كان سيتوافق مع خططنا أو سيهبنا الحياة التي نودّ، نحن نستطيع التّحكم في اللحظة التي نعيشها في الحاضر فحسب، فلنعش الآن بالمتعة التي نستطيع الحصول عليها بحسبَ مبادئنا وأفكارنا. "
مدّ يدهُ للسلامِ و بادرَها: أنا لويس فوكوبيان.
ردّتْ عليه: إيڤا بارنر... أهلاً بك. و احتارتْ أينَ تضع كوبَ القهوة الذي كان يشغلُ يدها، فأخذهُ منها بكلّ حماس بيده اليسرى و سلّم عليها باليمنى ثم ضحكا سوياً. بالطبع شاركهما ماكس الصغير ضحكتهما، بالرغم من أنّه لم يفهم شيئاً، إلا أنّه وجدَ أمّه تضحك فأسعدهُ ذلك.
سعادةُ الأطفال الصّغار ترتبط عادةً بسعادة أمّهم منذُ وجودهم في رحمها، إنها عالمهم الأول الذي يتأثرون به لفترةٍ لا يُستهان بها من العُمر، لذا ربما على الأمّ أحياناً التظاهر بالهناء كي تنقل العدوى لأبنائها الغالين غلاوة الفؤاد.
قبِلتْ إيڤا دعوةَ لويس على شرب القهوة، و تناولا معها بعض الحلوىالتي لم تكن حلاوتها تطغى على حلاوة جلسةِ التعارف.
عادةً يفرزُ الجسد هرمونَ السّعادة في فترات التعارف الأولى، إن كان هناك توافق خفي بين الشخصين.
كانتْ الجلسةُ مريحة و هانئة لكليهما، بعد أن قام كلّ منهما بإعارة حُزنه للآخر، تحدّثت إيڤا عن تجربة الحبّ التي كانت طرفاً خاسراً فيها، و عن التّعب المحبّب إلى قلبها في رعاية قطعة قلبها ماكس و إن كانت وحيدة، بينما سردَ لويس بشكل مختصر قصّته عن سنواته العشر التي قضاها في هولندا، الدولة التي تمّ تصنيفها عام 2011 بأنها الدولة الأكثر سعادة، بحسب بيانات «منظمة التعاون و التنمية»،إلا أنّ معظم أيامه التي قضاها فيها لم تكن سعيدة، حيث عَجِزَ عن الوصول إلى هدفهِ الذي قادهُ إليها، وهو إنشاء مشروع زراعي ضخم، اعتماداً على أنها ثاني أكبر بلد مصدّر للمنتجات الغذائية والزراعية بعد أمريكا، إلا أنّ فشلهُ في إنجاح المشروع بعد محاولتين متتاليتين جعله يخسر كلّ ما يملك من رأس المال الذي كان جزء منه من خزينة أبيه المحدودَةِ الثراء، أصابَهُ ذلك بالكآبة، فحاولَ التخلّص منها بالتنقل بين مدن هولندا و ممارسة العزف في الشوارع، علّه يَنسى كَيدَ الخسارة.
هكذا حتى أسمَعهُ الحُلمَ سيمفونيّة تنزّ بالحزن، كان أبوه في المنام يعزفها له و قد أسماها (فلسفة البقاء) فروى له حدْسُه بأنّ هناكَ خطباًما ألمّ بوالدِه، الذي لم يتصل به خجلاً ممّا ألمّ به من فشل.
هكذا هي الأرواح، سواء أكانتْ في الأرضِ أم في السماء، كثيراً ما تُسافرُ وتُنبئ الأحباب برسائلها، أو تهديهم إلى مفاتيح الأبواب المغلقة.
أوليستْ إيڤا مفتاحاً للسعادة؟ أوليسَ من الممكن أن يكون البيانو المستلقي تحت الشجرة مفتاحاً مجازياً للنجاح؟ 
و ماذا تعني (فلسفة البقاء)؟ أهي فلسفة الحُبّ، أم فلسفة الكينونة، أم هي تجانس بين الفلسفتين.
"حين أحبّ الأنا أكوّنها كما يجب" أنا قويّة فاعلة و مؤثّرة " , لها جاذبية خاصّة بها، جاذبيةٌ تتكلّمُ عن صاحبها حتى بعدَ رحيله،تجذبُ الآخرين مؤثرة فيهم إيجابياً بطاقةٍ نافعة يحتاجونها ليكملوا المسير.
" النور الذي يلعق وجه الصفحة التي تقرأها الآن - إن كان الليلُ قد زاركَ- يجذب معه اسم صاحبه أديسون و يتكلّم بفصاحة الضوء عن وجوده حتى بعد رحيله, هذا مثال فرض نفسهُ هنا عن فلسفة البقاء دون إذني".
فلسفة البقاء بالنسبة إلى ألكسندر، هي أن يُحيي ابنَهُ روحَهُ بالموسيقى، وأن يلتقي بأنثى تنتمي روحها أيضاً إلى الموسيقى.
إيڤا التي هجرها والدها قبل زوجها، و كان لألكسندر دور في تربيتها كونه حبيب أمّها هيلين، جارتهم في الحيّ الجانبي، المرأة التي سحرتْهُ بشفافيّة روحها وعمقها الثقافي الغافي في جسدٍ ينزّ بأنوثةٍ صارخة بهدوءٍ تام، كانت وحدها تشاركُ الموسيقى في قلبه.

كانت اللقاءات بين إيڤا ولويس تنادي بعضها بعضاً كلّ يوم، النجاحُ والسعادة أيضاً ناداهما بصوتٍ عالٍ. يُقالُ في أمثالنا (أوجاهٌ و أعتاب)
كان وجهُ إيڤا و ابنها ماكس ذو السحنة الملائكية خيراً على مسار لويس.
من باب المصادفة، والمصادفات السّعيدة برأيي لا تأتي إلا لمن يكون متحضراً لمجيئها، «كمصادفة أن تقرأني أنتَ الآن، وأنا قد حضّرتُ كلمتي لتسلّمَ عليكَ قائلةً: لك محبتي».
من هباتِ المصادفة أنه حين التقى لويس بالبيانو أوّل يوم لمجيئه، حضر عزفه شخص مرموق كان يجولُ في باريس كسائح، يُعنى بتنظيم المهرجانات العالمية المختصّة بنشر الإبداع و الترويج له على اختلاف أنواعه، تواصلَ معهُ و اتفقا على عقد سنوي بمردود مغرٍ وجولات فنيّة في دول متعدّدة.
البيانو لم يعد وحيداً بالطبع، أصبح يقطن في بيت إيڤا و ماكس ولويس, يشاركهم كلّ لحظاتهم مستأنساً بمرور أصابعهم على مفاتيحه و بالألحان التي يخلقونها سوياً.
كذلك سيلينا لم تعد وحيدة بعدَ عودتها من زيارة ابنتها ماريّا، فلقد عوّضها ابنها لويس بعد غيبته الطويلة بزيارات كثيرةٍ مع عائلته الجديدة التي رحّبتْ بها الأم بالطبع، فلقد كان همّها الوحيد هو بقاءولدها الذي فقدتْهُ لفترة طويلة بجانبها، و تكون السّعادةُ مرافقةً لحياته حتى و إن كانت سعادتُه امرأة مطلّقة و لها طفل ليس من صُلبه.
الغريبُ في الأمر أن هناك خيط وِدّ امتدّ بين سلينا و الموسيقى التي يُبدعُها ابنها، أوليس من الممكن أن يتغيّر إحساسنا تجاه الأشياء أو الأحداث بحسب الخالق لها؟
لربما كان شعور سيلينا تجاه الموسيقى سببه رفض غير صريح لعدم لمس حبّها في قلب زوجها الذي عشقته بكلّ ما فيه، لكن و لسوء حظّها أو لنقل لقلّة حنكَتها لم تجد طريقةً لتدفئة فؤاده و روحه العذبة فظلّتْ طوال حياتها تعيش وَهمَ كرهها للموسيقى, إلا أن الحقيقة الخفيّة هي كرهها لهذا الحاجز الغير مرئي بينها و بين زوجها الذي تهواه, كان معها في نفس البيت , على نفس السرير لكن بجسده فقط  دون روحه, لم تكن تعلم أن سبب ذلك هو افتقارها للأنوثة الخاصة التي يتطلبها وجودها مع إنسان مبدع و خاص كألكسندر.
الأنوثة المؤثّرة لا تتوفّر لغير مريديها من النساء... الأنوثة فنّ المرأة الأول في التعاملُ مع نفسها من الداخل و الخارج معاً.
الأنوثةُ موسيقى لا تتجلّى إلا لمن يشعر بها ويتحسّسها بكلّ كلّه.