loader
MaskImg

السرد

يعنى بالسرد القصصي والروائي

هيا لنعمر بيت شعرٍ في دمشق

breakLine

 

هاني نديم - شاعر وكاتب سوري

يحركني الشعر كدمية "ماريونيت" بين أصابعه، يقول إبكِ.. فأبكي، افرح فأفرح. وفي الشام، أدخل وفي قلبي الشعر وأخرج دوماً والشعر طائر فوق رأسي.

وعلى سفري الممتد وغربتي التي بدأت قبل ثلاثين عاماً وانا ابن عشرين، كلما دخلت دمشق طالعني بيت الشاعر القروي:

حتّام تحسبها أضغاث أحلام؟   سبّحْ لربك وانحرْ أنت في الشام

وكلما عضّني فيها القهر – وهذا يحدث في كل مرة – وأسأل نفسي لماذا يحبّها الخلق، هذه المدينة القاسية وهي (مافيها شي)، تتلبسني أبيات نجيب جمال الدين:

وقل هي الشام لا خمر ولا جسدُ       حتى ولا الزينتان المال والولد
و قل هي الشام كاد الوجد يقتلني     والشام تحمل وجدي عندما أجد
قد تكذب الشمس في صبحٍ إذا وعدت وتصدق الشام في صبحيْن إذ تعد

وكلما جال نظري على حسنها وهبّ نسيمها الساحر على لظى قلبي، سمعت بيت "عين الشعراء" ابن الساعاتي الذي يقول:

والطير تقرأ والغدير صحيفةٌ... والريح تكتبُ والغمام ينقّط

أو ما قاله ابن عنين في منفاه:

دمشق.. فبي شوقٌ إليها مبرّحٌ  وإن لـجّ واشٍ أو ألـحّ عذولُ
ديـارٌ بها الحصباء درٌّ وتربـتها عبـيرٌ وأنفاس الشمال شمولُ
تسلسل فيها ماؤها وهو مطلقٌ وصحّ نسيم الروض وهو عليلُ

وإنني في غربتي ومن خارج "السور" الدمشقي، لا يمكن أن يمر يوماً علي دون أن أسمع فيروز وهي تغني سعيد عقل:

سائليني يا شآم.. حين عطرت السلام كيف غار الورد واعتلّ الخزام
وأنا لـو رحـت استرضي الشـذا لانـثنى لبنان عـطـراً ... يا شـآم

تلك الأغنية التي كتبها عقل ردّاً على جمال عبدالناصر الذي قال -عن حسن نيّة - من شرفة قصر المهاجرين أن الشام بعد الوحدة ستدخل التاريخ! فأجابه سعيد:

أهلك التاريخ من فُضْلَتِهم ذكرهم في عروة الدهر وسام
أمـويون فإن ضقت بهم... ألحقـوا الدنيا ببستان هـشام!

وفي كل مرة أسمع تلك الأغنية أزعل لأن فيروز لم تغن البيت الذي يذكر سعيد عقل النبك فيه، جبلي الأعلى، حينما قال:

هذه "الغوطةُ" أَوْفى تُربةً بهمُ.. أم جبلُ "النَبك" القُدامْ!