الأهوارُ بين قدر الجغرافيا و رهان التاريخ

عامر الطيّب/ شاعر و كاتب عراقي

الجفافُ خطرٍ يهدّدُ الجميعَ :

تعدُّ الأهوار الجنوبية من بين القضايا التي نالت مساحة واسعة من النقاش والتحليل بين الأوساط المختصة في قطاع الموارد المائية، و لعلّ من بين ما يدعو إلى إعادة النقاش وتبادل وجهات النظر في هذا الجانب هو توجه كوادر الوزارة مع جهد هندسي للقيام ببعض المعالجات في الفترة السابقة بغية العمل على حل مشاكل ارتفاع الملوحة في قضاء المدينة فضلا عن الجفاف، ذلك الخطر الذي بدا وشيكاً .
صار هاشتاك جفاف الأهوار ترينداً لأسابيع و راح الكثير من المختصين و الإعلاميين يتحدثون عن أن هذا الجفاف هو خطر يهدّدُ الثروة المائية و معيشة البشر و الحيوانات أيضاً 
فقد صرّحَ الخبير في الاستراتيجيات والسياسات المائية رمضان حمزة لوكالة نخيل عراقي قائلا:-
" خلال العامين الماضية تعرّضتْ الأهوار إلى شحّة كبيرة في المياه عندما مرّ العراق بموسمين من الجفاف بسبب قلّة الأمطار ودرجات الحرارة المرتفعة ونسبة التبخّر العالية وزحف الصحراء وزيادة العواصف الغبارية. كل هذه الظواهر تمسُّ بنظام الحوض المائي وتؤثر تحديداً على جنوب العراق وأهواره. مما وصل بالأمر إلى زيادة في تدفقات النزوح في المحافظات الوسطى والجنوبية العراقية واستمرارها ، بسبب  نقص المياه والتي تسببتْ في شحة كبيرة من المياه و بفعل تغير المناخ"

و يضيفُ رمضان:-

" يبدو سكان هذه الأهوار هم الأشد عرضة للأذى كون النظام المائي في الأهوار لم يكن قادراً على ضمان الغذاء والمياه كمّاً ونوعاً للإنسان وللمواشي والجواميس، ونفوق الأسماك بسبب تلوث المياه، مما زاد في خط الفقر لذلك يحتاج سكّان الأهوار إلى دعم دخلهم المادي والحد من تفكك نسيجهم الاجتماعي المُميز من أجل زيادة قدرتهم على مواجهة هذه التغيّرات. وفي ظل عدم تواجد سياسات واضحة لتخفيف تأثيرات  قلة المياه وندرتها والتقلبات البيئية جراء تغير المناح  ليساعدهم على التكييف والتأقلم، فيما يُرى أيضاً أن الجانب الحكومي لا يأخذ هذه المخاطر على محمل الجد ولم يبدأ في معالجة حالة الأهوار لتحسين معيشة سكانها من خلال ضمان مستويات مناسبة للتصاريف المائية للأهوار من دول الجوار المائي كلُ من تركيا وإيران. ومنع الصيد الجائر وتشجيع السياحة البيئية والحفاظ على المعرفة البيئية التقليدية في منطقة الأهوار. ومنع حقول النفط العمل داخل مواقع الاهوار وفي المناطق القريبة منها، وكذلك  العمل على منع رمي المخلفات الخطرة الى الاهوار كون هذه الفضلات النفطية لها تأثير على الثروة الحيوانية  ومنها الثروة السمكية وكذلك تؤثر على مستقبل واستمرار تصنيف الأهوار كموقع للتراث العالمي كونها أحد الملوثات الخطيرة الصعبة معالجتها ".

الأهوار ، في البدءِ كانَ الماءُ :

ورد ذكر الأهوار أو البطائح عام 7 ه- و 628 م غداة الفيضان الكبير الذي تسببَ بانهيار منظومات الريّ وأغرقَ أجزاء شاسعة لتتكون البطائح.
استمر وجود الأهوار كبحيرات موسمية تتسع وتتقلص حسب واردات الموسم المائي ومع نهايات العهد العثماني وما قدمه المهندس ويليام ويلكوكس من دراسة تعد الأولى التي قدمت أفكاراً في التاريخ الحديث لتخطيط الري في العراق، فقد وردت الأهوار ضمن مقترحات تطوير مجرى الفرات وربطه بالقرنة وكذلك استصلاح بعض الأراضي، بعد تلك الدراسة في عهد مجلس الإعمار جاءت دراسة شركة تامس الأميركية والتي تناولتْ نهر الفرات وأراضيه مؤخر مدينة الناصرية وقد أوصت باستصلاح أراضي الأهوار لإحداث نقلية نوعية إجتماعية و اقتصادية تسهم بشكل مباشر أيضاً بنقل الإنسان من مرحلة جمع القوت إلى مرحلة إنتاج القوت.
ولعل أفضل خطة تطوير قدمت بتاريخ العراق الحديث لقطاع الموارد المائية هي خطة الموازنة المائية التي التي أعدتها شركة سلخوزبروم أكسبورت السوفيتية عام 1982، وقد تضمنت هذه الخطة رؤى و مسارات عمل كثيرة كانت تهدف لتحقيق الأمن الغذائي والأمن المائي و تقليص البطالة و اتخاذ السبل الكفيلة لتلافي أثر مشاريع دول الجوار بالاستحواذ على حقوق العراق المائية.

لقد تضمنت الدراسة مجلدات عدة وخطط لمشاريع عديدة نفذ في عقد الثمانينات معظم ما كان مخططاً فيها، ولقد وردت أهوار جنوب العراق في عدة إشارات، يمكن تلخيصها بما ذكر في خلاصة واستنتاجات التقرير الرئيسي وبالفقرة الحادية عشر حيث ورد " اذا كانت معدلات الري والتطوير الصناعي تتطابق مع تلك التي ذكرت في الموازنة المائية، فإن الأهوار الوسطى ستجف في السنوات الجافة بعد عام 1990، وسيبقى هور الحمار بحدوده الحالية حتى عام 1990".
لقد انخفضت تصاريف الأنهر بعد تشييد السدود في دول الجوار وبصورة كبيرة تكاد تقترب من النصف، حيث كان معدل تصريف نهر دجلة في محطة سراي بغداد 927 م.م.  للفترة من 1960 وإلى 1999، وبلغ معدل التصريف لنفس المحطة 520 م.م.  للفترة من 2000 وإلى 2012، أما نهر الفرات كان معدل التصريف في هيت 967 م.م.

للفترة من 1948 وإلى 1972، وبلغ معدل التصريف لنفس المحطة 553 م.م.  للفترة من 1985 وإلى 2007، علماً أن المعدلات مستمرة بالهبوط.
لقد شهدت الأهوار الجنوبية أحداثاً أمنية وعسكرية كثيرة منذ عام 1969، وكانت مسرحاً لصراعات بين قوى سياسية مختلفة وأهمها أحداث الحرب في عقد الثمانينات، والتغييرات الكثيرة التي حصلت في هور  الحويزة. ولقد شهد العقد الثاني من التسعينيات انطلاق أعمال تنفيذ مشاريع الخير لاستصلاح أراضي الأهوار وبمساحة تقرب من مليون دونم، وهي مشاريع ملغاة حالياً .

الأهوار على الطاولة:

بعد عام 2003، أضحت الأهوار أولوية من بين اهتمامات وزارة الموارد المائية ولأسباب متعددة، وفي سبيل ذلك أعدت دراسة عدن الجديدة والتي شاركت بها جهات دولية ومحلية وقد مثلت خارطة طريق ورؤية جديدة لإنعاش الأهوار الجنوبية من خلال إعادة احياء 75% مما كانت عليه الأهوار عام 1973. انتهت الدراسة عام 2006، وقد تضمنت لأول مرة جوانب لم يتم النظر فيها سابقاً، أبرزها كان تشييد منشآت سيطرة وتحكم لإغمار الأهوار وذلك يحصل لأول مرة، حيث كان المعتاد أن تصل المياه الزائدة من ذنائب الأنهر وتنساب المياه في الأراضي بصورة طبيعية، ووفقاً للخطة يتم السيطرة على المناسيب للحفاظ عليها من خلال مجموعة من النواظم الجديدة. ومن الجوانب المهمة في ثنايا الدراسة هو النقد السلبي لخطط تطوير الأراضي الزراعية واستصلاحها، وتفضيل إنعاش الأهوار على خيار التوسع بالزراعة، بعد أن أخفقت دوائر الاستصلاح حسب توصيف الدراسة بإكمال الخطط والمشاريع المقرة، وهنا ينبغي التذكير أن الحصار الجائر بعد عام 1991 كان المعوق الأوحد أمام استكمال خطط الاستصلاح. تضمنت الدراسة ايضاً مخططات لقرى ومنشآت سياحية ومتنزهات بيئية حديثة تسهم بإنعاش الاقتصاد المحلي.

إنعاش الأهوار :

يحدثنا المهندس المختص في الموارد المائية الأستاذ مخلد عبد الله عن الخطوات و الحلول التي يمكن تفاديها خطر الجفاف فيقول :-
"تشكلت في هذه المرحلة مديرية عامة ضمن تشكيلات الوزارة لإنعاش الأهوار، وهي تملك تمثيل في ثلاث محافظات تغطيها أجزاء من الأهوار. بوشر من خلال المديرية تنفيذ مشاريع السيطرة والتحكم وحسب ما أقر بدراسة عدن الجديدة. وهي بمعظمها نواظم مبوبة وبجانبها مسيل مائي.
نُفذّ لهور الحويزة ناظمي السويب والكسارة. ونُفذّ ناظم الخمس في ذنائب قناة البتيرة. ونفذّتْ كذلك 9 نواظم بتصريف 12.5 م.م. ضمن حدود قضاء الجبايش لتغذية الأهوار. أما من المشاريع السياحية العديدة، فلم ينفذ سوى مرسى الزوارق في ناحية الفهود. ومن بين منشآت السيطرة ايضاً هو السدة الترابية القاطعة لنهر الفرات  قرب الحدود الإدارية مع البصرة. حيث تتضمن السدة املائات ترابية ترفع مناسيب المياه. تقوم المديرية العامة بإدارة النواظم أعلاه، ويتشارك معها في إدارة الأهوار عدد من منظمات المجتمع المدني من خارج تشكيلات الوزارة.
أقرت الدراسة الاستراتيجية عام 2015، وقد ورد ضمن مخرجاتها بخصوص الأهوار، أن معدلات الإغمار في السنة المائية المتوسطة ستحقق عائد سنوي يقرب من 7.7 مليار دولار. وقد بنيت هذه التقديرات على عائدات إغمار للأراضي الرطبة في مواقع أخرى من العالم.

و يلفت الأستاذ مخلد عبد الله أيضاً:-
"في العام 2016، نجح العراق بإدارج الأهوار ضمن لائحة التراث العالمي، وكان من بين الطرح الذي تناولته أوساط عدة وقتها أن هذا الأمر سيساهم بإلزام دول الجوار على إطلاق كميات إضافية للمحافظة على الأهوار.
قد تبرز عدة استفسارات قد يكون من المفيد معرفة إجابتها، وهي هل هنالك اسبقيات معتمدة في توزيعات المياه في نهر الفرات مؤخر مدينة سوق الشيوخ، وفي حال ما تعرضنا لشحة مشابهة لما حصل عام 2018، وأمام احتياجات الشرب و الإحتياجات الصناعية والجريان البيئي والزراعة ودفع اللسان الملحي و إغمار الأهوار، فما هو تسلسل تلك الأولويات. الأمر الأخر، هل هنالك تقييم سنوي لكفاءة إستخدام المياه وكفاءة إستخدام التربة في القطاعات المستهلكة".
وأخيراً، يمكن تكوين فكرة عامة عن الواقع الاقتصادي والاجتماعي لسكان الأهوار، حيث وبرغم مرور 17 عاماً من فعاليات الإغمار وما تم تقديره من عائدات مالية ضخمة، إلا أن الجهاز المركزي للإحصاء أعد مسحاً لمعدلات الفقر عام 2013 في المحافظات والوحدات الإدارية، وهو مسح معتمد من قبل الأمم المتحدة والبنك الدولي، وقد ظهر جلياً أن أعلى معدلات الفقر قد تحققت في المحافظات والوحدات الإدارية التي تضم الأهوار الجنوبية. وهنا يتطلب من الجهات ذات العلاقة وضع تحليلات وخطط فنية لتقليص معدلات البطالة ومحاربة الفقر وبصورة علمية وبيانات ميدانية، ومن ثم اختيار البدائل الأنجع ضمن ما هو متوفر من موارد تربة ومياه.