loader
MaskImg

الاخبار

اخبار ثقافية واجتماعية وفنية

الكريمات بين الماضي والحاضر

breakLine
2021-07-12

وكالة نخيل عراقي / ماس القيسي

 

لا يمكن لك المرور من على جسر الأحرار دون أن يقع بصرك على سحر أطلال حي قديم من بقايا مدينة عريقة صممت في عمق التاريخ بشكل هندسي مدور في منتصف القرن الثامن الميلادي على يد الخليفة العباسي الثاني أبو جعفر المنصور  لتكون  شاهدة على حضارة أورثت العالم فنونا وآدابا مختلفة وكانت قبلة لطلبة العلم من شتى أرجاء المعمورة، 

 

انها منطقة الكريمات او كما تسمى قديما (رقة بن دحروج) أبان فترة الحكم العباسي حين كانت قلب مدينة السلام بغداد، والرقة هنا تعني الأرض التي تطفح عليها مياه الفيضانات، كان قاطنوها يمتهنون الحياكة والغزول وهي بساتين خفاجة حيث كان اسم هذه المنطقة ( زركجي) عند موقع السفارة البريطانية وهي بساتين كان أهلها يأوون في هذه المنطقة الوافدين اليها ويضيفونهم لعدم وجود فنادق، ومن ذلك التاريخ سميت الكريمات لكرم أهلها وفي رواية أخرى يقولها بعض سكان الحي ولكنها ضعيفة لعدم تأكيدها حسب المصادر تعزى الاسم لرجل كبير السن يدعى كريم فحين توفى شاع في ارجاء المنطقة ان (كريم مات!) ومنها اخذ الاسم!! . ومع مرور الوقت استقبلت هذه المحلة عوائل أخرى تنتمي الى عشائر الدليم .

 

 

تقع محلة الكريمات في الجانب الغربي من بغداد، وحدودها، كما ورد في اطلس بغداد 1952،هي: من الشمال نهر دجلة ومن الشرق كرادة مريم ومن الغرب الشواكة وعلاوي الحلة ومحلة الدوريين، والترقيم الحديث لها هو (محلة 218)،يجاورها جسر الاحرار الذي كان يسمى مود سابقا بالعودة الى الجنرال البريطاني ستانلي مود،  وحين النظر اليها بلفت انتباهك جمال النهر والزوارق وحركة الأرض هناك تضفي عليها بهجة، على الرغم من ان بعض بيوتها القديمة اصبحت عاجزة عن مقاومة الطبيعة ويظهر عليها الخراب، أما البيوت المشيدة حديثا فكأنها تسلب الكريمات صورتها البغدادية القديمة الزاهية.

 

 

وانت تواصل سيرك في الدرابين الضيقة لهذا الحي القديم كما تسمى باللهجة العراقية، سترى الشنانشيل التي تزين شرفات المنازل وكانها متدلية من سقوفها تظلل الازقة من سطوع الشمس نهارا وتضفي مشهدا ساحرا علي لياليها، وقد تشم رائحة السمك من على بعد امتار وهو يقاوم الصيادين المهرة الذين احترفوا هذه المهنة ابا عن جد، وفي حديث مع العم ابو بلال المشهور بكونه الاكبر والاقدم بينهم، وهو يقوم بتنظيف شبكة الصيد من الاوراق والاوساخ العالقة به من مياه دجلة، يقول: " منذ شبابي وانا اعمل في الصيد بالتزامن مع عملي في مقر الاذاعة والتلفزيون في بغداد في الفترة التي سبقت سقوط نظام الحكم السابق عام 2003، حال انتهاء وقت الدوام  اعود لمنزلي واسرع باتجاه النهر لامسك شباك الصيد واستمتع في احاديث النهر وصيد السمكات".

 

  يسترسل العم الصياد في حديثه وهو متالم لحال جرف النهر الممتلى بالقاذورات وحين سالته عن سبب اهماله ومن المسؤول من وراء ذلك اجابني:" نتمنى من الجهات المختصة ان تراعي وتهتم لهذا الامر فلا يعقل ان يتم تنظيف الاحياء الاخرى وترمى النفايات هنا !!" مؤكدا لنا بان هناك قصد من وراء هذا الاستهتار بنظافة مياه دجلة، الا وهو استهداف الثورة السمكية! بقوله:" يحزنني ان تمسك شباكي العديد من الاسماك لاجدها نافقة بالسم !".

 



وبعد الانتهاء من الحديث الشيق مع العم أبو بلال أخذنا  سجاد وهو صياد شاب ماهر في جولة نهرية على احد قوارب دجلة وتبادلنا اطراف الحديث سويا فقال:" من طفولتي وانا أتعلم الصيد على يد العم أبو بلال وانا اعشق هذه المهنة وكل يوم انتظر الزوار لأخذهم بجولة في القارب مقابل بعض المال لاسترزق وأسد تكاليف الوقود" مؤكدا انه حتى في أوقات الحظر بسبب تفشي كورونا لم يمتنع الناس عن التوافد إلى شاطئ دجلة والاستمتاع بأجوائه.

 

وبعد الخروج من دجلة عدنا للسير في ازقة الكريمات حتى وصلنا  نهايتها اسفل جسر الاحرار فوجدنا رجلا كبيرا في السن يجلس بمفرده على مقعد خشبي من مقاعد المقاهي البغدادية الشهيرة رفض الحديث في بادئ الامر وبعد الاقناع قال :" لن اقول عن ه>ه المنطقة سوى انها ماوى الناس الطيبين البسطاء" وكانه يود اخبارنا ان حركة الحداثة السريعة لم تطال قلوبهم !.

 

اختتمت رحلتي في الكريمات عند آخر محطة  تمر منها عند دخول الحي والخروج منه من جانب شارع حيفا، وهي دار تراثية قديمة تسحر العيون وتسحب الروح إلى حيث ذاك الزمن العتيق ويعد الدار الأكبر مساحة من بين دور المنطقة فيما عدا مقر السفارة البريطانية المسيج من الخارج والذي يقع شمال الكريمات ويطل على دجلة، يعود ذلك الدار لزمن الاحتلال العثماني لعائلة تلقب بالشاوي والان تعود ملكيته لهيئة السياحة والآثار ويسمى حاليا بالمركز العربي للموسيقى، يقف على بابه حارس عسكري ويمنع أي احد من الدخول إلا بتصريح من الهيئة، وحسب قوله يؤجر الدار مقابل مبالغ مالية لإقامة الحفلات الموسيقية.

...........................

الاخبار الثقافية والاجتماعية والفنية والقصائد والصور والفيديوهات وغير ذلك من فنون يرجى زيارة موقع نخيل عراقي عبر الرابط التالي :-

www.iraqpalm.com

او تحميل تطبيق نخيل

للأندرويد على الرابط التالي 

حمل التطبيق من هنا

لاجهزة الايفون

حمل التطبيق من هنا

او تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعي 

فيس بوك نخيل عراقي

انستغرام نخيل عراقي