loader
MaskImg

ديوان نخيل

يعنى بالنصوص الشعرية والادبية

فلسفة الروح الحرة

breakLine
2021-12-28

 

نيكولاي بيرديايف

ترجمة المترجم المصري يوسف نبيل 
كلمة «رمز» تعني وسيطًا ودلالة، وفي الآن ذاته رابطًا. إنها تعني أيضًا ما يُوحِّد ويشارك ويربط. يفترض الرمز والرمزية وجود عالمين ونسقين للحياة. لا يمكن أن يكون هناك مجال للرمز إذا كان هناك عالم واحد أو نسق واحد للحياة. يتحدث الرمز عن أن مغزى أحد العوالم موجود في عالم آخر، وأن عالمًا آخر يقدم إشارة إلى معنى العالم الأول. فَهِم أفلوطين الرمز باعتباره اتحاد عالمين في عالم واحد. الرمز هو الجسر الذي يربط بين عالمين. لا يتحدث الرمز عن وجود عالم آخر، وعن أن الوجود ليس مقصورًا على عالمنا وحسب، لكنه يتحدث أيضًا عن إمكانية الربط بين عالمين، واتحاد عالم بآخر، وعن أن العوالم ليست منفصلة انفصالًا نهائيًّا. يُميِّز الرمز بين عالمين ويربطهما. ليس لعالمنا الطبيعي التجريبي في حد ذاته أي أهمية أو معنى، بل إنه يستمدهما من عالم آخر؛ من عالم الروح، حيث إنه رمز للعالم الروحي. لا يملك العالم الطبيعي في حد ذاته مصدرًا للحياة يُسبغ عليه معنى، بل ينال معناه رمزيًّا من عالم آخر؛ من عالم الروح. اللوغوس موجود في العالم الروحي، وهو ينعكس وحسب في العالم الطبيعي؛ أي تُسبَغ عليه الرمزية. كل ما له أهمية ومغزى في حياتنا هو مجرد إشارة؛ أي أنه رمز لعالم آخر. «له أهمية» تعني أن يكون دلالة؛ أي يكون رمزًا لعالم آخر له مغزى يستمده من ذاته. كل ما هو مهم في حياتنا دلالي ورمزي. لا يُقدَّم لنا الرابط الرمزي في حياتنا وحياة عالمنا الممتلئ بالهراء والتفاهة إلا في صورة ارتباط بعالم آخر؛ عالم المغزى والأهمية؛ العالم الروحي. يستحيل في العالم والحياة الطبيعيين المنغلقين على ذاتهما أن يُقدَّم رابط رمزي، كما يستحيل اكتشاف أهمية فيهما. كل شيء في هذا العالم يحدث مصادفة، محروم من أي رابط أو مغزى أو أهمية. الإنسانُ بوصفه مشابهًا للعالم الطبيعي، وبوصفه كائنًا طبيعيًّا، محرومٌ من الأهمية والعمق، وحياته الطبيعية محرومة من وجود رابط مفهوم. يستحيل أن نجد اللوغوس في حياة الإنسان بوصفه شظية من شظايا العالم الطبيعي، حتى إن عقل الإنسان في حد ذاته ليس سوى نوع من أنواع التكيف مع العالم الطبيعي. الوعي الموجه بصورة حصرية إلى العالم الطبيعي المنغلق على ذاته يُصاب بفقدان المعنى والعرضية وتفاهة الوجود. هذا الوعي هو وعي مسحوق عاجز عن جلب المعنى إلى ظلمة العالم الطبيعي الذي يكتنفه من كافة الجوانب؛ ذلك العالم الذي لا تتضح فيه إشارات أي عالم آخر ذي معنى. لكن الإنسان بوصفه صورة الوجود الإلهي ومثاله؛ أي بوصفه رمزًا للألوهية، عظيم الأهمية ومليء بالمعنى. يجد الوعي الموجَّه إلى العالم الإلهي المعنى في كل مكان، ويجد الرابط والأهمية، وقد وُهِب إشارات من عالم آخر. هذا الوعي متحرر، وهو يجلب المعنى للعالم الطبيعي الذي يبدو بلا معنى. يستحيل إثبات وجود معنى لحياة العالم، كما يستحيل أيضًا استنتاج أي شيء عقلاني من التأمل في العالم الطبيعي. الغائية في العمليات الطبيعية أمر مشكوك فيه تمامًا. لا يمكن أن نجد المعنى إلا في التجربة الروحية وبعد التَوجُّه صوب العالم الروحي. لا يتم إثبات المعنى إلا بحياة مليئة بالمعنى، ولا يثبته سوى الوعي المُوجَّه صوب عالم المعنى، وبالوعي الرمزي والإشارات والروابط والدلالات.
يُشكِّل المفهوم الرمزي للعالم وحده العمق الوحيد والمحسوس والواعي والسري للوجود. لا تمتلئ حياتنا الطبيعية الأرضية بالمعنى إلا عندما يتم تقديسها رمزيًّا. لكن يمكن أن يعي الإنسان هذا التقديس والمغزى الرمزيين للحياة، ويمكن ألا يعيهما. يمكن أن يُعايَش المعنى الرمزي للحياة الطبيعية بسذاجة، ويمكن أن يتموضع في الوعي ويُدرَك بواقعية ساذجة. يمكن للناس أن يعيشوا بالرموز ويتعاملوا معها باعتبارها حقائق في داخلهم، كما يمكنهم ألا يعوا الطبيعة الرمزية لكل ما هو مقدس ومعقول في حياتهم. حينها ينغمسون في العالم الطبيعي الشيئي الموضوعي، ويرون فيه تجسيدًا مباشرًا للقداسة، ويربطون في وعيهم بنوع من الواقعية الساذجة بين روح وجسد هذا العالم. لا حاجة إلى المقابلة بين المادية والواقعية الساذجة، المتسمتين بالوعي غير الديني، بل وبالوعي الديني أيضًا، بالأرواحية أو المثالية، ولا بالروحانية المجردة، ولا بالأفكار المجردة، بل بالرمزية. ليست الأرواحية والمثالية حالتي وعي دينيتين، وليستا توجهين دينيين للروح، بل هما نظريتان ميتافيزيقيتان. الرمزية دينية في جوهرها، ولكن يجب أن نُميِّز بين الرمزية الواقعية والرمزية المثالية. الرمزية المثالية هي سمة الشريحة العليا المثقفة من الإنسانية، وهي ليست رمزية أصيلة تجمع وتربط بين عالمين. إنها رمزية تفصل بصورة يائسة بين عالمين، وهي رمزية الانغلاق اليائس لعالمنا الداخلي. فلسفة كانط هي التعبير الأمثل عن هذا النوع من الرمزية، وهي تُعبِّر عن مرض انفصال الإنسان عن عمق الوجود، وانغماره في عالمه الذاتي تمامًا. هذه رمزية الوحدة الروحية العميقة للإنسان المعاصر وازدواجيته وتشرذمه العميقين. يعتبر الفن المعاصر بمثابة انعكاس عميق لذلك. اتسمت القرون الوسطى بفهم رمزي للعالم. يمكننا أن نجد التعبير المميز لرمزية العصور الوسطى في تصوف هيو من سانت فيكتور وريتشارد من سانت فيكتور. فقد العصر الحديث مغزى الوجود. الرمزية المثالية هي رمزية ذاتية وشرطية، ترى في كل شيء انعكاسًا للتجارب النفسية وحالات ذاتية منفصلة عن العالم الروحي ومصدر الحياة الأولية. كان شليرماخر أحد المُعبِّرين عن الرمزية الذاتية والمثالية. هكذا هو الأمر أيضًا مع الرمزية الإيمانية لساباتييه. هذه الرمزية ليست أنطولوجية، وليست هناك في رموزها أي ارتباطات أنطولوجية، وهي في الحقيقة تتناقض بشدة مع طبيعة الرمز كروابط ودلالات على عالم آخر له وجود حقيقي. عندما تحاول الرمزية المثالية أن تؤوِّل حقائق الدين، تميل دائمًا إلى إضفاء أهمية ذاتية، وتترك الإنسان في التجربة الدينية منحصرًا داخل ذاته وتجاربه، منفصلًا عن حقائق العالم الروحي. إنها لا تفهم طبيعة التجربة والحياة الروحيتين. الرمزية الواقعية هي الرمزية الوحيدة الحقيقية التي تربط بين عالمين وتوحدهما، وقد حدَّد العالم الروحي الحقيقي والحقيقة الإلهية. في الرموز التي تُقدَّم لنا لا تُعطى علامات شرطية لتجارب الإنسان النفسية، بل علامات ملزمة لأصل حياة الروح في واقعها البدائي، كما تُقدَّم طُرق تربط بين العالمين: الطبيعي والروحي. إن جسد العالم بالنسبة للرمزية الواقعية ليس شكلًا يفتقر إلى كل ما هو واقعي، وليس وهمًا ذاتيًّا، بل هو تجسيد رمزي للحقائق الروحية، وهو لباس الكائنات المتجذرة في العالم الروحي. الرمزية الواقعية هي رمزية مفتوحة لا منغلقة، مُوحِّدة لا مُفرِّقة.

...........................

الاخبار الثقافية والاجتماعية والفنية والقصائد والصور والفيديوهات وغير ذلك من فنون يرجى زيارة موقع نخيل عراقي عبر الرابط التالي :-

www.iraqpalm.com

او تحميل تطبيق نخيل

للأندرويد على الرابط التالي 

حمل التطبيق من هنا

لاجهزة الايفون

حمل التطبيق من هنا

او تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعي 

فيس بوك نخيل عراقي

انستغرام نخيل عراقي