مقالات ادبية واجتماعية وفنية
سامية خليفة/ كاتبة لبنانية
تتميز القصيدة النثرية بتكثيف الصور الشعرية المجازية والتحرر من قيود الوزن والقافية واعتمادها على موسيقى خارجية وداخلية معا في تحرر وأريحية، وتعتبر الدلالات الرمزية والتكثيف بعيدا عن الكتابة العادية السطحية من أهم أسس جماليتها.
(لحظة نعاس) عنوان تنطلق منه الشاعرة معبرة عن ارتباط النص بلحظة زمنية وبحالة نفسية مرافقة لتلك اللحظة، وذلك من خلال شذرات تومض عشقا.
فما الرابط بين هذا العنوان والقصيدة؟
في المقطع الأول، الشاعرة وطيف الحبيب أصيبا معا بحالة النعاس في آخر المساء، فترة رومانسية هادئة، عمدت الشاعرة إلى أحد المحسنات المعنوية، التبليغ في وصف الحالة بوضوح رغم التورية فالمعنى الخفي هو الاستسلام في ذوبان العشق مستخدمة لفظة ( أسماؤنا ) للدلالة على وجود حبيبها معها كطيف لا كجسد وواقع، هناك تساؤل هو دليل الحيرة في قولها: "كيف غفوت في فناجين تمرده لأسقيه ولهي؟"
أعطته صفة المتمرد فسقته ولهها، لعله يشعر بمقدار هيامها فيتراجع عن تمرده.
الشاعرة ترفض الواقع فتلجأ إلى الخيال لتخفف من حدة ألمها تقول: "رغم ازيز الخيبات" والأزيز هو صوت الرصاص فكم أطلق عليها من رصاص الخيبات! تقول: "ويسقط الانتظار من يدي" دلالة على اليأس المدمر، تقدم الشاعرة وصف الحالة بأسلوب غير مباشر وبصور مكثفة
في المقطع الثاني تعود للتبليغ عن حالة معاشة، وهي رحيل الحبيب تعبر عن سأمها لهذا (المذاق) ترميزا على تكرار حالة الرحيل المريرة تتساءل: لم انكسرت؟ والانكسار ترميز إلى حالة من الإحباط ثم تشبه نفسها بالطفل المشاكس للدلالة على تمسكها بحب يائس كما طفل مشاكس لا يهدأ حتى الحصول على ما يريد. الحبيب تحتجزه في روحها تعبيرا عن وفائها إلا أن الحنين يفقد صبره من أصيص حديثها. صور مجازية مكثفة ألبست فيها الحنين وشاحا فأنسنت الشعور، ليكون الحديث ناميا في خلدها مزروعا في وجدانها كما فسيلة تنمو في أصيص. تلك الصورة المجازية الترميزية المبتكرة تبلغنا فيها عن يأسها حيث يكون الصمت أجدى.
في المقطع الثالث تعود وتستيقظ من حلمها فتطلق على نفسها صفة حمقاء لانغماسها في (عشق تليد) أصيل متجذر في الروح تقول: "أزور ودّه في يقظة حلم" للدلالة على سيطرة الخيال وهيمنته على الواقع. تستطرد قائلة: "البعد حال مبتذل" للدلالة على تكرار هذا البعد ليصبح كما الثوب البالي لكثرة ارتدائه، لنصل إلى خلاصة أنها تظهر حبّا عاصفا من طرف واحد سيطر على الواقع فمنحته الشاعرة الحياة بخيال خصيب وأمل لا يموت. اتقنت الشاعرة الغوص في أعماق المرأة العاشقة غير المستسلمة للحقيقة! استطاعت أن تنقل بمصداقية كوامن المرأة التي تسيطر عليها العاطفة لا العقل .
في المقطع الرابع يسيطر الهذيان الذي يسببه الأرق المفرط ليعكس تهيؤات في صور، تواجه الحبيب معاتبة:
"مهلا لا تسقطني من آثار شكواي
هل يليق بك الغياب
تحت حبّات الندى؟"
هي تشكو من شوق أدمى مهجتها فتعاتبه برقة الأنثى الجريحة متسائلة عن غيابه هو المختبئ حسب هذيانها تحت حبات الندى. الاختباء خلف الندى كناية عن رؤيتها له بوضوح رغم تلك المسافات الشاسعة، الندى هنا فاصل رقيق، فحبيبها هو الساكن في نبضها. تواصل في هذيانها لتجده مقبلا عليها، تقول:
"عاجلني بقبلة على فمي
ليلملم ذكرياتي بضمة واحدة"
هو البعيد عنها بعدا ماديا ولكنه الأقرب إليها من حبل الوريد، وهي الناسكة في محراب العشق. هناك مبالغة في وصف المشاعر للتوكيد على قدرة الهذيان في السيطرة على الأفكار. طغت لصور على اللغة، اللغة اعتمدتها كأداة توصيل لصور هذيانية منحتها الحياة.
في المقطع الخامس، الشاعرة تلوم المطر الذي استفز فيها تلك المشاعر وتسأل الليلة الماطرة ( عن مظلة فقدت عذريتها ) كناية عن زخ المطر القوي مع الريح الشديدة التي لم تتوانَ عن إصدار صفيرها.
هيكلية القصيدة: نص نثري في خمسة مقاطع تبدأ كلها بجمل إسمية عدا مقطع واحد.
الموسيقى الداخلية تعكس رهافة المشاعر المتأرجحة بين همود وغضب وانفعالات وجدانية وشوق وتساؤلات وهذيانات وإحباط وألم وحزن.
الموسيقى الخارجية لا تعتمد فيها الشاعرة على القافية السجعية، كان نصها نثريا متحررا منها. اعتمدت على الصور المكثفة والإيحائية وعلى موسيقى في بنائية المفردات وتناسقها، فإن عدنا إلى الجمل نجدها تنتهي بالياء( ياء المخاطبة)، لم تعتمدها كقافية تسجيعية وإنما لضرورة استخدام لياء المخاطبة كتعبير لا اكثر.
هناك موسيقى في وزن الكلمات المنتهية بها الجمل وأتت مبعثرة لا متسلسلة في القصيدة.
على وزن فعيل مثل: رحيل - تليد - مغيب- وحيد.
وتشابه موسيقي في آخر حرفين مثل ظلام - قمصان - سؤال - شكواي.
قصيدة نثرية غنية بالصور المجازية المكثفة وفي لغة متينة أحسنت الشاعرة في اختيار ألفاظها والتنسيق فيما بينها.
لحظة نعاس
في آخر المساء
غمرتنا لحظة نعاسْ
ذابت في العشقِ أسماؤنا
حتى أطراف الفجر
كيفَ غفوت في فناجين تمرده؟..
لأسقيه وَلَهي
رغمَ أزيزِ الخيبات
حتّى الأماني تأتي ضريرة..
لٲغمس السكون
في قليل مِنَ الذكريات
ويسقطُ الانتظار من يدي
---
سئمت مذاق الرحيل
فلمَ انْكسرت؟..
كالطفل المشاكس
أرتب لقاءً يروي أحداقي
وأنا أحمل متاهة السؤال
ووشاح الحنين فقد الصبر
من أصيص حديثي
محتجز أنت في روحي
عل لهفةّ تطفئ ظمئي
بضمّةٍ تغفر لهذا القلق
---
أيُّ غيبٍ هذا
و أنا بخريفِ العُمرِ
يجرنا الصمت
امرأةً حمقاء مسلوبة بعشق تليد
أزورُ ودَّهُ في يقظة حلم
ليدسّ قبلاته في فمي
ويسكت حواسّي
فأشتهي حضوره
هذا النوى حالٌ مبتذلٌ
على وسادةِ الجفنِ
تعرى قلبي
حاملاً فائض الحزن
في مقلة دامعة
---
على عتباتِ الظلام
يقضمُ بقايا هذيان
وأقانيمَ عَتمة
لا ليلَ يكفي
نبضًا يغريهِ الفضول
يطل ُ على وجهي
لا يُلائمُ سريريَ
حين أُصابُ بالأرقِ
مهلاً لا تسقطني من آثار شكواي
هل يليقُ بك الغياب!!
تحتَ حباتِ الندى؟..
عاجلني بقبلةٍ على فمي
ليلملم ذكرياتي بضمّةٍ واحدةٍ
دون عباءته..
و ما كنت ُ ذا صبرٍ
---
في أكمامِ القمصانِ
أحمرُ الشفاهِ بقي عالقا
و ما كُنتُ أنا
كتب على وجه المغيب
بدونَ بسملةٍ
آب أخرجَ بقايا أمنياتي
في قبلةِ الميلاد
لأرتقَ مواسم الحصاد
واستيقظَ النومُ حزينا كالناي الوحيدِ
هذه الليلة ألوم المطر
واسأل فيها عن مظلة فَقَدَت عذريتها..
كُلّما ازدادَ صَفيرُ الريحَ
...........................
الاخبار الثقافية والاجتماعية والفنية والقصائد والصور والفيديوهات وغير ذلك من فنون يرجى زيارة موقع نخيل عراقي عبر الرابط التالي :-
او تحميل تطبيق نخيل
للأندرويد على الرابط التالي
لاجهزة الايفون
او تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعي