ثقافة الإلغاء

سراب الشريف/كاتبة عراقية

في عالم باتت فيه الكلمات تسبق الأفعال، وأصبحت منصات التواصل الاجتماعي ساحة لحروب فكرية تُحسم بلحظات، برزت ظاهرة "ثقافة الإلغاء" كأداة تحكم لا تعرف محكمة ولا قاضياً، تحاول الانتصار للحقيقة لكنها كثيراً ما تتحول إلى مقصلة للإقصاء والتهميش.

يأتي كتاب "ثقافة الإلغاء" للدكتور منتصر صباح الحسناوي الذي صدر عن دار الرافدين ومؤسسة مسارات كبادرة اولى باللغة العربية ليسلط الضوء على هذه الظاهرة التي تلبست ثوب العدالة، لكنها كثيراً ما تنحرف لتصبح أداة قمع جديدة بأدوات حديثة. 
يتناول الكتاب الجذور التاريخية لهذه الظاهرة، وكيف تطورت عبر العصور وصولاً إلى العصر الرقمي، حيث أصبح الإلغاء سلاحاً سريع التأثير، يستخدمه الأفراد والجماعات لأغراض متعددة، قد تكون أحياناً أخلاقية وأحياناً انتقامية أو حتى سياسية.

ومن خلال أمثلة محلية وعالمية، يضع الحسناوي القارئ أمام صورة متكاملة لثقافة الإلغاء، مشيراً إلى انعكاساتها على المجتمعات، لا سيما في العراق، حيث تتقاطع القيم التقليدية مع متغيرات العصر الحديث، مما يخلق واقعاً يحتاج إلى فهم عميق وآليات تكيف فعالة.

بأسلوب تحليلي يعتمد على تفكيك الظاهرة من جذورها، ليقدم المؤلف رؤية نقدية لكيفية التعامل مع ثقافة الإلغاء بوعي ومسؤولية، بعيداً عن الانجراف وراء العاطفة أو الاستسلام للفوضى الرقمية.

"ثقافة الإلغاء" ليس مجرد كتاب عن ظاهرة اجتماعية متنامية، بل هو دعوة لإعادة التفكير في كيفية حماية حرية التعبير دون الوقوع في فخ الإقصاء، وكيفية تحقيق العدالة دون أن تصبح أداة للانتقام أو التصفية الفكرية.
إنه كتاب يضع الأسئلة الصحيحة في مواجهة واقع معقد، ويقترح حلولاً تتجاوز اللحظة الراهنة نحو مستقبل أكثر وعياً وتسامحاً.