مقالات ادبية واجتماعية وفنية
محمد عبدالرضا شياع/ناقد عراقي
تفصح المجموعة الشعرية (قصير فستان صبري) بأنها من إنجاز امرأة تكتب بصوت الأنثى، وهي تناجي شريك حياة قد غادرها إلى العالم الآخر، لكنّها لم تيأس من عودته أو في الأقل من إنصاته إليها، فكتبت قصائدها بلغة شعرية صافية مفعمة بالشوق والتشوف إلى لقاء قريب، إذ يُلاحظ اللون السماوي وهو يؤثث المجموعة بدءاً من الإهداء الذي يأخذ من مرآة السماء مثالاً لوجه الحبيب وعينيه السابحتين غيوماً، ثم عنوانات النصوص التي أتقنت الشاعرة بناءها، منها ينطلق النص وينتشر أمواجاً من الكلمات تعاضد بعضها بعضاً بناءً وإنتاجَ معنى شعري.
تنتشل الشاعرة نصوصها من السقوط في فخ الرثاء، وإن كانت إمكانية تسميتها بشعرية الغياب واردة، دون نسيان احتفائها بالكتابة الشعرية، واقتراح تعريف للشعر والحب بوصفهما قرينين في المعنى الإنساني للوجود، (ما الشعر تلميذ عاقل/ ولا الحب طفل هادئ/ كلاهما بحر هائج)، بهذه الثورة وذاك العنفوان تنجز الشاعرة دلالة الكتابة المعمّدة بالبوح دون الذوبان في المباشرة أو التقريرية، فالصور الشعرية، الجزئية والكلية، فضلاً عن الإيقاع بنوعيه الداخلي والخارجي تمنح المجموعة الشعرية سمتها الإبداعية، والشاعرة لا تتخلى عن الإيقاع الخارجي على الرغم من هيمنة الإيقاع الداخلي المنساب منسجماً والموضوع الذي ينهض عليه النص الشعري.
اللافت في ابتناء النصوص هيمنة الصورة الضوئية وإن داهمها الظلام في بعض محطّات الحزن التي يأخذ عدمُ استجابةِ المخاطبِ الشاعرةَ إليها، بيد أن هذا الظلام لا يمكث طويلاً، إذ يغدو مرايا لشمس النهار، فتضيء نار الانتظار آفاق الأشواق البعيدة صدى لتنهدات الذات المتطلّعة للقاء قد لا يتحقق بغير لغةِ الشعرِ وليدةِ الخيال، وهو لا يكفّ عن السفر في تضاريس المكابدة، حيث يشيّد الانزياح مدياته.
تكتب ميّادة مهنا سليمان قصيدتها مستحضرةً أناقةَ المرأة والعناصر الجمالية التي تظهر فيها القصيدة الأنثى، فنعاين الألوان، وسحر الموجودات، والمرآة التي وظّفتها الشاعرة مراتٍ عديدة، والقرنفل رفيق فنجان القهوة، والربيع والزهور والفراشات، والأشياء التي تعبّر بها الحبيبة عن مظان الإغراء لحبيبها المفتقد ليستجيب، وكأن القارئ يجد نفسه في الفضاء الشعري الذي يكتب بابلو نيرودا قصائده فيه.
لقد وصل الوجع الشعري بالشاعرة إلى إنجاز العتب شكوى بعد تيقنها من أن انتظار الغائب لا أمل فيه، ولا جدوى من مناجاته، فيستحيل الحب حزاماً ناسفاً يطوّق قوام القصيدة وكاتبتها، فتستحم الكلمات بالمطر الأخضر، حين يغدو الانتظار غيمة، وحين تشعل الشاعرة المسافات بعود القصيدة؛ فتنطفئ حرائق الشوق.
قسّمت الشاعرة مجموعتها الشعرية إلى ثلاثة أقسام، عنونتها بالترتيب: الفستان الأول، الفستان الثاني الفستان الثالث، وهذا يعني أن العنوانات الفرعية لها شجرة نسب في العنوان الرئيس، وإن إمعان النظر في القصائد يوصل إلى أن هذه التقسيمات لم تكن اعتباطية، بقدر ما هي خاضعة لأسباب فنية ينجزها بناء القصائد وموضوعاتها، فضلاً عن أن هذه العنونة جاءت تأكيداً للحس الأنثوي الذي يهيمن على قصائد المجموعة، يُضاف إلى هذا الشكل والخطاب والعتبات النصية الممثلة بصورة الغلاف والألوان الدالة مثل لون الفوشيا، وهو اللون المتسق وحس الأنوثة، والذي يشي بمحاكاة واضحة لأسلوب نزار قباني الشعري، متمظهرة في البوح والتمرد على الوزن، واعتماد القوافي متى ما وجدت الشاعرة الأمر ضرورياً؛ لتمنح قصيدتها بعداً غنائياً ذا دهشة جمالية مؤثّرة في المتلقي، ولنعاين نموذجاً من قصائدها الدالة على أشواق الأنثى فيها:
انتظرتكَ
تحت فيءِ قصيدةٍ
هززتُ جذع الاشتياقِ
تساقطت أوراقُ صبري
لماذا تأخّرتَ؟
مرّت سنونواتُ الصّباحِ
سلّمْنَ عليَّ
غازلني عصفورٌ عاشقٌ
ألن تغارَ؟
بحقّ اللهِ أينَ أنتَ؟
أين صباحُ الخيرِ يا حياتي
أدلالٌ أم ردّكَ الكسلُ
فنسيتني ونمتَ!
تنساب حرارة الشعر في المجموعة الشعرية (قصير فستان صبري) للشاعرة ميّادة مهنا سليمان مثل ماء النهر الملتذ بوقاره، وهو يلامس الكائنات التي تؤثث مجراه، فتنمو دلالاته شيئاً فشيئاً لتجسّ قلب رائد هذا النهر، كونٌ يمتد مثل خيط الضوء بين المحيا والممات، تعانق فيه الألوانُ الألوانَ بحراً من الرؤى والأحلام مشيّدةً خارطة البوح لعالم مختفٍ في الأعماق أبعد من صوت الذكريات.
...........................
الاخبار الثقافية والاجتماعية والفنية والقصائد والصور والفيديوهات وغير ذلك من فنون يرجى زيارة موقع نخيل عراقي عبر الرابط التالي :-
او تحميل تطبيق نخيل
للأندرويد على الرابط التالي
لاجهزة الايفون
او تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعي