مقالات ادبية واجتماعية وفنية
حسن الكعبي/ناقد عراقي
وضع ابتر في كتابه المهم ( الفنتازيا مدخلا للواقع ) فهما عميقا للفنتازيا بوصفها تكنيكافي رؤية الواقع الذي يسعى للانفلات عن التصنيف والمعاينة بوصفه واقعا جانحا ، وفوق قدرة الخيال وبمعنى آخر ، ان هذا التكنيك هو الحل الأمثل في قراءة مضاعفات الواقع ، وهذا ما يفسر الفهم العميق للواقع في المقاربات الروائية التي اعتمدت الفنتازيا تكنيكا اساسيا في بناءاتها السردية مثال ( بورخس ويوسا و ماركيز وآخرين ) ممن اعتمدوا الفنتازيا أساسا في مقاربة الواقع واحتمالاته الجانحة ، فاحتمالية عودة الموتى أو تشفيرات الدم بوصفه دلالة على الموت كما في رواية ( مائة عام من العزلة ) او حديث الرأس المقطوع كما في رواية ( أبطال وقبور لأرنستو ساباتو) ، هذه الاحتمالية لا يمكن تقبلها من قبل القارئ مهما كان صبورا ، إلا إذا تفهم انه ومن دون هذه الاحتمالية لا يمكن فهم الواقع الذي يسعى الروائي إلى تقعيده ضمن مساحاته السردية .
من هذا الأفق السردي ينطلق الروائي آي دي هارفي لبناء سردية ( محاربو قوس قزح ) التي نقلها الى العربية الشاعر ( رعد زامل ) والصادرة عن دار نينوى للدراسات والنشر في العام 2017، معتمدا الفنتازيا لكن في سياق تضعيفي اساسا في بناء سرديته الخيالية التي تتحدث عن خروج رجل من السجن يحلم بالعودة الى واقعه واستثمار حريته المسلوبة نتيجة سجنه لخمسة أعوام لكنه يتفاجأ بالمتغيرات التي طرأت على الواقع ، حيث الأوبئة تحاصر المدينة وهنالك حظر شامل لكل مداخلها وأن المدينة دخلت في شتاء أبدي فالزمن السردي يبدأ في شهور أيار وحزيران وتموز وآب التي يشير إلى انها وخصوصا آب اشد الشهور بردا ، كما يجد أن حبيبته إيموجين قد ماتت بسبب الوباء ولكنها أعيدت إلى الحياة عن طريق تجارب سريرية لزرع الادمغة .
يحاول ان يتصل بهذه المخلوقة التي تعيش بجسد حبيبته لكن بنظام تفكير مختلف لا يتعرف على الاشياء من حوله وفي مسعاه لتذكيرها يكتشف أنها لا يمكن أن تكون حبيبته ايموجين وان دخولها لجسدها هو ضمن تجربة العاب الاستعمار الجديدة في تصفية الاجساد وتركيب ادمغة لها تنتج مخلوقات جديدة تقع بين الالية والبشرية ، لكنه يستطيع اقناعها بالهرب من هذا الواقع واختبار واقع آخر ، وتبدأ الرحلة باكتشاف مناطق اخرى هي عبارة عن الكون الحضاري الاخذ بالانهيار .
يستعرض الرواي في سياق هذه الرحلة العجيبة انهيار الحضارة الانسانية ودخولها الى منطقة الصراع بين جميع المخلوقات البشرية منها اوالحيوانات وحتى الحشرات التي يتعلم منها الانسان درسا فلسفيا في تطوير اليات الاستعمار، والحقيقة ان الروائي يجهد كثيرا لتشبيح شخوصه واستظهار المفاهيم الفلسفية التي تعج بها الرواية ، لكنها مفاهيم تذهب باتجاه استظهار التشاؤم كمفهوم متسيد وكامن في الواقع وفي المستقبل اذا كان هنالك ثمة مستقبل، فالروائي وعلى لسان إيموجين يشير الى احتمالية عدم وجود مستقبل تستقر عنده الانسانية او انها ستتساير ضمنه ( لقد تعلمت كم يتعذر على البشر ان يكونوا ممثلين وملقنين ، ولأي مدى بوسع المرء ان يكون حرا ، غير انكم معشر البشر لستم جاهزين بعد لفهم ذلك، ربما في يوم ما وبعد زمن طويل في المستقبل اذا كان هناك ثمة مستقبل ).
يوغل الروائي في تشبيح شخوصه وجعل روايته سياقا حاضنا للمقولات التي يسعى الى إفشائها ضمن مساحات السرد ، بدءا من بطل العمل الذي يجرده من اسمه فهو بلا اسم وبلا ماض يسهم في تطوره كبناء سردي معتمد في الروايات بشكل عام ، بل أن الشخصية هي بلا مستقبل ففي خاتمة الرواية تخاطبه إيموجين ( لن أنساك مطلقا، آسفة لانك لن ترى طفلنا ) يتدخل الروائي ليعمق هذا التشبيح بقوله ثمة شيء ما قد حدث بينهما تلك الليلة على الجبل ) فسير الرواية على منوال امتزاج الحلم بالواقع يضع الشخصيات ضمن خطوط الشك بواقعيتها وهذا ما يسعى إليه الرواي الفعلي لتأكيد مقولاته بمعنى أن الروائي يشبح الشخصيات لتكون سياقا حاضنا للمقولات الفلسفية حول الانهيار الذي سيلحق بالحضارة البشرية .
إن إيموجين أيضا تأخذ حصتها من التشبيح بعد أن وجدت طريقة تكون من خلالها بشرا ( لقد وجدت طريقة أخرى لأكون بشرا ). لكن الروائي يختتم روايته بإشارته( إن المرأة التي كانت هي إيموجين كامبيل ، رفعت وجهها وقد توهج كزهرة جديدة وللمرة الأخيرة انفرجت شفتاها تحت شفتيه لتمنحه قبلتها الأخيرة ) .
حسن الكعبي/ناقد عراقي
وضع ابتر في كتابه المهم ( الفنتازيا مدخلا للواقع ) فهما عميقا للفنتازيا بوصفها تكنيكافي رؤية الواقع الذي يسعى للانفلات عن التصنيف والمعاينة بوصفه واقعا جانحا ، وفوق قدرة الخيال وبمعنى آخر ، ان هذا التكنيك هو الحل الأمثل في قراءة مضاعفات الواقع ، وهذا ما يفسر الفهم العميق للواقع في المقاربات الروائية التي اعتمدت الفنتازيا تكنيكا اساسيا في بناءاتها السردية مثال ( بورخس ويوسا و ماركيز وآخرين ) ممن اعتمدوا الفنتازيا أساسا في مقاربة الواقع واحتمالاته الجانحة ، فاحتمالية عودة الموتى أو تشفيرات الدم بوصفه دلالة على الموت كما في رواية ( مائة عام من العزلة ) او حديث الرأس المقطوع كما في رواية ( أبطال وقبور لأرنستو ساباتو) ، هذه الاحتمالية لا يمكن تقبلها من قبل القارئ مهما كان صبورا ، إلا إذا تفهم انه ومن دون هذه الاحتمالية لا يمكن فهم الواقع الذي يسعى الروائي إلى تقعيده ضمن مساحاته السردية .
من هذا الأفق السردي ينطلق الروائي آي دي هارفي لبناء سردية ( محاربو قوس قزح ) التي نقلها الى العربية الشاعر ( رعد زامل ) والصادرة عن دار نينوى للدراسات والنشر في العام 2017، معتمدا الفنتازيا لكن في سياق تضعيفي اساسا في بناء سرديته الخيالية التي تتحدث عن خروج رجل من السجن يحلم بالعودة الى واقعه واستثمار حريته المسلوبة نتيجة سجنه لخمسة أعوام لكنه يتفاجأ بالمتغيرات التي طرأت على الواقع ، حيث الأوبئة تحاصر المدينة وهنالك حظر شامل لكل مداخلها وأن المدينة دخلت في شتاء أبدي فالزمن السردي يبدأ في شهور أيار وحزيران وتموز وآب التي يشير إلى انها وخصوصا آب اشد الشهور بردا ، كما يجد أن حبيبته إيموجين قد ماتت بسبب الوباء ولكنها أعيدت إلى الحياة عن طريق تجارب سريرية لزرع الادمغة .
يحاول ان يتصل بهذه المخلوقة التي تعيش بجسد حبيبته لكن بنظام تفكير مختلف لا يتعرف على الاشياء من حوله وفي مسعاه لتذكيرها يكتشف أنها لا يمكن أن تكون حبيبته ايموجين وان دخولها لجسدها هو ضمن تجربة العاب الاستعمار الجديدة في تصفية الاجساد وتركيب ادمغة لها تنتج مخلوقات جديدة تقع بين الالية والبشرية ، لكنه يستطيع اقناعها بالهرب من هذا الواقع واختبار واقع آخر ، وتبدأ الرحلة باكتشاف مناطق اخرى هي عبارة عن الكون الحضاري الاخذ بالانهيار .
يستعرض الرواي في سياق هذه الرحلة العجيبة انهيار الحضارة الانسانية ودخولها الى منطقة الصراع بين جميع المخلوقات البشرية منها اوالحيوانات وحتى الحشرات التي يتعلم منها الانسان درسا فلسفيا في تطوير اليات الاستعمار، والحقيقة ان الروائي يجهد كثيرا لتشبيح شخوصه واستظهار المفاهيم الفلسفية التي تعج بها الرواية ، لكنها مفاهيم تذهب باتجاه استظهار التشاؤم كمفهوم متسيد وكامن في الواقع وفي المستقبل اذا كان هنالك ثمة مستقبل، فالروائي وعلى لسان إيموجين يشير الى احتمالية عدم وجود مستقبل تستقر عنده الانسانية او انها ستتساير ضمنه ( لقد تعلمت كم يتعذر على البشر ان يكونوا ممثلين وملقنين ، ولأي مدى بوسع المرء ان يكون حرا ، غير انكم معشر البشر لستم جاهزين بعد لفهم ذلك، ربما في يوم ما وبعد زمن طويل في المستقبل اذا كان هناك ثمة مستقبل ).
يوغل الروائي في تشبيح شخوصه وجعل روايته سياقا حاضنا للمقولات التي يسعى الى إفشائها ضمن مساحات السرد ، بدءا من بطل العمل الذي يجرده من اسمه فهو بلا اسم وبلا ماض يسهم في تطوره كبناء سردي معتمد في الروايات بشكل عام ، بل أن الشخصية هي بلا مستقبل ففي خاتمة الرواية تخاطبه إيموجين ( لن أنساك مطلقا، آسفة لانك لن ترى طفلنا ) يتدخل الروائي ليعمق هذا التشبيح بقوله ثمة شيء ما قد حدث بينهما تلك الليلة على الجبل ) فسير الرواية على منوال امتزاج الحلم بالواقع يضع الشخصيات ضمن خطوط الشك بواقعيتها وهذا ما يسعى إليه الرواي الفعلي لتأكيد مقولاته بمعنى أن الروائي يشبح الشخصيات لتكون سياقا حاضنا للمقولات الفلسفية حول الانهيار الذي سيلحق بالحضارة البشرية .
إن إيموجين أيضا تأخذ حصتها من التشبيح بعد أن وجدت طريقة تكون من خلالها بشرا ( لقد وجدت طريقة أخرى لأكون بشرا ). لكن الروائي يختتم روايته بإشارته( إن المرأة التي كانت هي إيموجين كامبيل ، رفعت وجهها وقد توهج كزهرة جديدة وللمرة الأخيرة انفرجت شفتاها تحت شفتيه لتمنحه قبلتها الأخيرة ) .
...........................
الاخبار الثقافية والاجتماعية والفنية والقصائد والصور والفيديوهات وغير ذلك من فنون يرجى زيارة موقع نخيل عراقي عبر الرابط التالي :-
او تحميل تطبيق نخيل
للأندرويد على الرابط التالي
لاجهزة الايفون
او تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعي