loader
MaskImg

المقالات

مقالات ادبية واجتماعية وفنية

ألعابنا القديمة

breakLine
2024-04-16

 

 

آلاء عدره  | كاتبة سورية

«كل شعوب العالم بتحلم بالمستقبل.. إلا نحنا منحلم بالماضي».. عبارة وردت على لسان عروة بطل مسلسل "الندم" الشهير الذي حكى قصة السوريين الغارقين منذ سنوات في وحول الحرب بينما تشدهم ذاكرتهم لأيام جميلة ذهبت إلى غير رجعة، نقل مخرج العمل الليث حجو حينها جوهر هذه العبارة بصورة عبرت عن الحاضر بالأبيض والأسود ولونت الماضي بكل الألوان، وهي دلالة ذكية على مدى حبنا وتعلقنا بهذا الماضي.
فعلاً نحن كذلك.. والتفكير بتفاصيل الماضي بات جزءاً من طريقة نداوي بها مأساة الحاضر، وهو ما يحدث معي بشكل يومي.
"دُج دُج" صوت طرقات الأرجل بالأرض حين اللعب..
ضحكنا كثيراً أنا زوجي عندما أخبرني عن اسم تلك اللعبة البسيطة التي لعبناها في طفولتنا كلنا، ولكن اختلفنا على اسمها من منطقة لأخرى، في درعا حيث ولدت وترعرت لعبت أنا وفتيات الحي ذات اللعبة التي أسميناها (خوطا) أفكر اليوم بهذا الأسم وأعتقد أنه "خُطى" فهي تنقلٌ بين مربعاتٍ سبعة مرسومةٌ بالطبشور على الأرض بخطىً ثابتة بالتناوب على ساق واحدة مرة ومرة بكلتا الساقين، ولكن بسبب انجراف اللغة تحولت من خُطى إلى (خُوطا، هكذا كنا نلفظها) 
أما في اللاذقية أسموها (حجلة) وأعتقد أنها نسبة لطائر الحجل الذي يمشي مشياً لطيفاً يأتي موضع غزل لدى أهل الساحل السوري عن مشي الفتيات فيقولون: (تمشي مشي الحجل أو تكرج كرج الحجل)، في قرية زوجي في طرطوس أسموها (دوج) لم نستطع تفسير هذا الاسم سوى أنه صوت طرقات الأرجل بالأرض أثناء القفز (دُج دُج دُج) هكذا تخيلت.. وضحكنا.
في الماضي لعبنا الغميضة أو كما نقول بالعامية (طميمة)، أذكر اللعبة وأهمية القدرة على الاختباء جيداً، لا يمكنني الحديث عن الغميضة دون ذكر أغنية فيروز التي تقول (تعا تـ نتخبى من درب الأعمار.. وإذا هني كبروا ونحن بقينا صغار.. وسألونا وين كنتوا.. وليش ما كبرتوا أنتو)، أفكر لو أن هذه اللعبة سحرية كما في أغنية فيروز، نختفي.. يمر العمر.. نبقى صغاراً وببساطة يكون الجواب (نسينا)، نعم نسينا أن نكبر فما قد يمر من العمر في الحروب نحن أحق به منها، نستحق أن نعيشه ونقفز على عمرنا بسلام وأمان دون أن نقع تماماً كما نقفز على مربعات (الخوطا)، أتمنى أن أختبئ من أحداث بلدي وأن أحافظ على عمري الذي يرحل عني مثقلاً برائحة الحرب وإن بحثوا عني لا يجدوني إلا حينما "تُفرج" هذه الكلمة التي تبدو "كحبل سري" يربط السوريين ببعضهم البعض كلهم بمختلف معتقداتهم السياسية، هذا الحبل يأتي على هيئة دعاء فنقول  "الله يفرّج" وغالباً ما يأتي بعدها "أحسن شي".. الله يفرج أحسن شي.
هذا الحبل السري يبدو جزءاً من لعبة شد الحبل، أحدنا يجلس ليحكي ويشرح يبصق ويشتم كل ما يحدث في البلاد، ليشد الآخر الحبل فيشتم ويبصق ويشرح كل مايحدث في البلاد، وهكذا حتى يقول أحدهما "سيدي الله يفرج أحسن شي" فينتهي الحديث وتنتهي لعبة شد الحبل بخسارة الطرفين.
لذلك أتمنى الاختباء فلا أحب أن أكون طرفاً خاسراً وأنا كذلك، إلى أن يسمع الله النداء ويأتي الفرج ويمد يده لي وأخرج من المكان الذي حشرت نفسي به كما كنت أفعل وأنا طفلة بين الحائط والخزانة، أما اليوم فأنا أحشر نفسي بين حلمي والواقع الذي أدير له ظهري وأغمض عيناي كي لا يراني أحد.
أغمض عينيّ وأذكر بيتاً جميلاً بنيناه من الوسادات والكراتين وأحياناً الحجارة، حين لعبنا لعبة (بيت بيوت)
الحقيقة اليوم أن بيوتاً من أرواح ولحم ودماء، بيوت من إسمنت وحديد أرقّ من بيوت الكرتون خاصتنا، وقعت بيوت حقيقية على رؤوس قاطنيها، وكأن لهذه البيوت قدر المدافن وبيوت أخرى خافت أن تكون مدافناً فقررت التكور على نفسها والانهيار، لينهار أصحابها ألماً يخفونه بعبارة:"مو مشكلة الحجر بيتعمر"، لكنها في الحقيقة مشكلة فهي جني العمر وباكورة الحياة، ذهبت وأخذت معها الذكريات والأحلام وأشعلت اللهيب في قلوب أصحابها.
بيوت الوسائد وقعت كثيراً فيما مضى لكنها لم تقتلنا كما أننا استطعنا إعادة بنيانها بسهولة وسعادة.
كنت ألعب أنا وإخوتي لعبة (إنسان، حيوان، نبات، جماد، بلاد) وهي لعبة تعتمد على الأحرف الأبجدية واختيار أسماء تحت الخانات السابقة على أن تبدأ كلها بحرف متفق عليه.. والذي ينهي إجاباته بسرعة على أن تكون صحيحة يكون الفائز، كنت سريعة وأفوز بأغلب المرات، وأذكر أن خطي كان جميلاً، قبل أن يصير شبيهاً ونسخة عن كل خطوط مستخدمي الأجهزة الالكترونية، كلنا نكتب باستخدام لوحة المفاتيح المقيتة الخاصة بحواسيبنا وهواتفنا، كلنا خطوطنا جميلة ولا مميز لأحد عن الأخر.
لعبنا بالطائرات الورقية، اليوم تلعب الطائرات فوق رؤوسنا، لعبنا كرة القدم واليوم باتت بلادنا ملعباً ونحن الكرة..
أثناء اللعب كنا نبتكر، فمثلاً صنعنا سيارات من علب السمنة (التنك) وصنعنا دمىً بأقمشة بالية، أما أبناء هذه الأيام يبدو أنهم معلقين بشاشات هواتفهم الذكية، باتوا قليلي الحركة والكلام والضحكات، أراهم كفراشات علقوا بشبكة العنكبوت "الانترنت" وبات إنعاشهم ضرباً من الخيال.
من الماضي الجميل كانت أكثر الجلسات حميمية هي لحظة تجمهرنا حول جداتنا حين تبدآن بالقول (كان ياما كان في سالف العصر والأوان لحتى كان) 
تبدأ الحكاية ويبدأ الخيال فنسافر إلى بلدان وغابات، نصعد الجبال ونقطع النهر من ضفة لأخرى نواجه الشرير نتعب نقاوم وأخيراً تنتهي الحكاية بخير منتصرٍ، شاب يعود لمحبوبته وابن يجني الكثير من المال ويُفرح قلب والدته، وآخر يحصل على عشبة سحرية لإنقاذ ابنه من سقامٍ ما..
وتختتمن القصة بالقول: "هي حكايتي حكيتا وبعبكن خبيتا"
يا ليت جدتي تخبئ خراب هذه الأيام في "عبّنا" وتقول هذه القفلة السحرية وينتهي كل شيء ثم تشرق الشمس في نهاية قصتها، يفوز البطل بما كان يبحث عنه.
يا ليت كل ما حلّ بنا وببلادنا لا يكون سوى قصة من جدتي ستنتهي بخير وفير، وتوتة توتة خلصت الحدوتة.. ثم نخلد لنوم هانئ وسعيد!
 

...........................

الاخبار الثقافية والاجتماعية والفنية والقصائد والصور والفيديوهات وغير ذلك من فنون يرجى زيارة موقع نخيل عراقي عبر الرابط التالي :-

www.iraqpalm.com

او تحميل تطبيق نخيل

للأندرويد على الرابط التالي 

حمل التطبيق من هنا

لاجهزة الايفون

حمل التطبيق من هنا

او تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعي 

فيس بوك نخيل عراقي

انستغرام نخيل عراقي