loader
MaskImg

المقالات

مقالات ادبية واجتماعية وفنية

"البحثُ عن مطلق" إلى فالح مهدي

breakLine

عدنان فالح دخيل || كاتب عراقي


أكملتُ قراءة كتاب "البحث عن منقذ: دراسة مقارنة بين ثماني ديانات" للمفكّرِ والباحثِ والأديبِ فالح مهدي. لم تكن قراءتي للكتابِ هي الأولى بطبيعةِ الحالِ، خاصّةً أنّه صدَرَ في سنة 1981 (قرأتُ قبل سنتين أو أكثر عن طبعة جديدة له)، ومن ثمّ لم يكن لي عذرٌ بعدمِ الاطّلاعِ عليه! اشتريتُهُ حينئذٍ، وأكملتُ قراءته، ثمّ قدّمتُهُ لأصدقائي وزملائي المهتمّين بالفكرِ النقديّ، ونقدِ الفكرِ الدينيّ على وَجْه الخصوص، وقد كان أكثرنا حماساً له ولمؤلّفِهِ الصديقان جعفر عليوي موسى وصاحب عبد الأمير الحكيم.

كان اسم فالح مهدي مجهولاً لي تماماً، وربّما لجميعِ القرّاء، مع ذلك، لم أتردّد في البحث عن كتابه في مكتبات شارع المتنبّي وسوق السراي، والتوجّه بعد ذلك إلى أشهر مكتبتَيْن في شارع السعدون؛ النهضة والتحرير (افتُتحت لاحقاً المكتبة العالمية بإدارةِ الأديب والباحث جاسم المطير)، ثمّ المضي إلى الطرف الآخر من الشارع، حيثُ تقبع وحدها مكتبةُ فلسطين في الجهة الأخرى، مروراً بشارعِ الرشيد الذي لم أتذكّر أنّني اجتزتُهُ يوماً ما بسيّارةٍ أو باصٍ. هذه النزهات الطويلة نسبياً في مركز مدينة بغداد والتي تثلمها بعضُ التوقّفات القصيرة هنا وهناك كانت دائماً ضرورية لي ولغالبيةِ الطلّاب الآخرين؛ فهي من عمّقت علاقتنا بالأمكنةِ المبعثرةِ غيرِ المنسجمةِ وجذّرتها بالعقلِ والذاكرةِ أكثر، حتّى أصبحت تلك التوقّفات هي الأمكنة نفسها!

انصرف وتوارى عن ذاكرتي في هذه اللحظة اسم المكتبة التي عثرتُ فيها على كتاب فالح مهدي، وقد أرفدني هذا النسيان رغبة، بل اشتهاء أن تكون هي مكتبة النهضة؛ المكتبة التي أبهرتني بكمّيةِ كتبِها وتنوّعِ موضوعاتِها. حدث هذا قبل سنتين، وتحديداً في مساء أحد أيّام العطلة الصيفية لمرحلةِ الرابعِ عام، عندما وجدتُ نفسي مبهوراً تماماً أمام مئات العنوانات التي تدعوني لاختيار بعضها، فاخترتُ – بعد تردّد وتنازع مريرَيْن – كتابَيْن، هما المجموعة الكاملة لروايات فيودور دوستويڤسكي وكتاب "أعراس" لألبير كامو. عندما غادرتُ بغداد إلى الناصرية كنتُ أنوء بحملِ حقيبتَيْن كبيرتَيْن (استعرتُ إحداهما من صديقي أحمد خضير بجّاي) مملوءتَيْن بالكتبِ والكتبِ فقط، وما زلتُ أذكرُ من بين تلك الكتب التي انتقيتُها من شارع المتنبّي وسوق السراي (مكتبة حسين الفلفلي تحديداً) "الفلسفة الإنجليزية في مئة عام" بمجلّدَيْن، و"الفصل في الملل والأهواء والنحل" لابن حزم الأندلسي، وبهامشه "الملل والنحل" للشهرستاني، بأجزائِهِ الخمسةِ، و"فجر الفلسفة اليونانية قبل سقراط" لأحمد فؤاد الأهواني (سرقه منّي بعد حوالي سنتين ونصف أحدُ طلاّب أكاديمية الفنون الجميلة مع محاورة "فيدون" لأفلاطون، وكنتُ حزيناً وغاضباً لفقدهما)، الذي اندفعتُ في قراءته عند بداية خروج سيّارة النقل العمومي الكبيرة من منطقة النهضة.

بعد سنتين من إفراغ حمولة الحقيبتَيْن الكبيرتَيْن في رفوف مكتبتي التي نجَرَها لي أخي الكبير، وجدتُ نفسي جالساً في إحدى حافلات نقل الركّاب، أتأمّل لوحة غلاف الكتاب الذي يتقلّب بين أصابعي والذي كُتب في أعلاه اسم فالح مهدي بخطّ واضحٍ وجليّ. وخلاف ذلك، لم تكن اللوحة واضحةً؛ فللوهلةِ الأولى خمّنتُ أنّ الشكل ذا اللونَيْن الأزرق المُخضرّ (الفيروزي) والأسود ما هو إلا تكوينٌ صخريّ بارزٌ في بيئة صحراوية مألوفة لي، والشجرة التي تلوح في العمق هي مجرّد تكوين متخيّل يُشبه مجرّد شجرة.

عند وصولي إلى غرفتي في القسم الداخليّ وضعتُ الكتاب على الطاولة، وشرعتُ بقراءةِ مقدّمتِهِ. انتبهتُ إلى أنّ هناك خطأً ما في قراءتي للوحةِ؛ فمن أين يستمدّ ذلك الشكلُ لونَيْه الداكنَيْن غير الموجودَيْن في أيّ صحراء سقيمةٍ على الأرض؟ أغلقتُ الكتاب، وطفقتُ أتفرّس بالغلافِ، وعندما اكتشفتُ وجود طائر باللونَيْن السابقَيْن أعلى التكوين وأعلى الاسم أُصبتُ بحالةٍ من الذعر؛ فالأشياء نفسها تستمدّ ألوانها من ذلك التكوين الصخريّ وليس العكس.

لم يكن بطبيعةِ الحالِ ذلك التكوين صخرة، بل هو أقسى من هذا بكثير. ولأوّلِ مرّةٍ أقوم بفرزِ ملامحِهِ البشرية: العينَيْن الغائمتَيْن الحزينتَيْن، والفم الشهوانيّ الواسع الذي تبرز منه أسنانٌ يمكنها طحن كلّ شيء وتفتيته. والحال أنّني أعرف هذه الملامح جيّداً، فهي لا تولد إلا من لَعِبِ الماءِ والرملِ؛ أي من الأبدية، حيثُ كلّ شيء ساكن ومتحرّك؛ مطلقٌ ومحدود؛ حيّ وميت، حتّى أنّني لم أُفاجأ باكتشافي ذلك!

 


 

...........................

الاخبار الثقافية والاجتماعية والفنية والقصائد والصور والفيديوهات وغير ذلك من فنون يرجى زيارة موقع نخيل عراقي عبر الرابط التالي :-

www.iraqpalm.com

او تحميل تطبيق نخيل

للأندرويد على الرابط التالي 

حمل التطبيق من هنا

لاجهزة الايفون

حمل التطبيق من هنا

او تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعي 

فيس بوك نخيل عراقي

انستغرام نخيل عراقي