loader
MaskImg

المقالات

مقالات ادبية واجتماعية وفنية

الحق في الجسد

breakLine

 


ياسين عدنان || كاتب وأكاديمي مغربي


بعد صدور كتابه "المجرى الأنطولوجي" تأكد أن مغادرة عبد عبد الصمد الكباص لحديقة الأدب باتجاه الأدغال الفلسفية نهائية لا رجعة فيها. فتأملات الكباص الفلسفية بدأت تنضج بالتدريج لتنضاف إلى كتابات رفاقه عبد العزيز بومسهولي وحسن أوزال وإدريس كثير. صار واضحاً إذن أن الأمر يتعلق فعلاً بجيل فلسفي جديد قيد التشكل. جيل له إشكالياته ورهاناته وأسئلته المختلفة عن تلك التي خاض فيها الحبابي والعروي والجابري وسبيلا وغيرهم من الأسماء المغربية الكبيرة. في كتاب الكباص الأخير (الفرد، الكونية والله: الحق في الجسد) نلمس رغبة في تحرير الجسد من وطأة الروح، وانتصاراً للحاضر ضد الماضي، ومراهنة على الفرد في زمن تسود فيه ثقافة القطيع. 
  
ولم يجد الكباص مدخلاً لتأملاته الفلسفية الخاصة التي جمعها  بين دفتي هذا الكتاب أفضل من الجسد. لذا يبدأ بطرح هذا السؤال: كيف يمكننا التفكير في أفق حداثي لا موقع للجسد فيه؟ قبل أن يجيب: لن يكون ذلك سوى إتلافٍ للمجال الذي تنمو فيه الحداثة وتُختَبر كتجربة، أي إتلاف للحداثة نفسها وفصلها عن مضمونها وتحويلها إلى بناءٍ لغوي.. فليس سؤالُ الجسد فقط واحداً من أسئلة الحداثة بل هو سؤال الحداثة نفسها. منه تبدأ وفيه تنمو وعلى أرضه تُختَبَر.
ويحدد الكباص حقل تفكيره بتعريف الحداثة باعتبارها عصر الحاضر. فالحداثة تقوم على إنصاف الحاضر في امتداده نحو المستقبل وتُحرّره من وصاية الماضي لتحدد غاية الوجود الإنساني في حاضره. فالأمل والسعادة والحقيقة لم تعد موضوع إرجاء أو تأجيل. فهي إمكانيةٌ قابلة للتحقق في هذا الحاضر الذي يعيشه الإنسان والذي هو آخذ في التلاشي.
و يمثل هذا الكتاب أيضاً محاولة لإرساء مقاربة فلسفية لسؤال الفرد والكونية والله ينطلق فيه الباحث المراكشي الشاب من إعادة تعريف مهمة الفلسفة التي يؤكد أنها ليست فقط قراءة في النصوص أو تنقيباً بالكتب، بل هي تفكيرٌ في الوجود الذي يُحيِّنُ نفسه في الذات التي تباشر عمل التفكير. ومن خلاله تُعاد صياغة إمكانيات المعنى والقيمة. 
ويرى صاحب "المجرى الأنطولوجي" في إصداره الأخير أنَّ ما يجب الاعتناء به والعمل على تجميله هو اللحظة المُعاشة التي يمكن أن يكون فيها الإنسان سعيداً أو لا يكون، يقول: "لقد ظهر الحاضر كحق أي أنه أصبح قيمة ينتظم حولها نظام أخلاقي بكامله يمكننا أن نسميه بأخلاق الحاضر .. إن أثمن شيء يمكن أن يحوز عليه الإنسان في وجوده هو حاضره."
ويعيد الكباص كذلك تعريف الفرد الذي يحدده كحرية مُتعينة في الحاضر. كما يعيد تعريف الكونية باعتبارها شمول مبدأ الحرية. فالحرية الفردية هي التقاطع الكوني الذي يجمع الفرد بباقي الأفراد المكونين للمجتمع الإنساني، ومن ثمة فالكونية تُنجِز نفسها من خلال الفرد. وبشكل جدلي يصبح الفرد هو التحقق المجهري للكونية.
ويلخِّص الكباص في نهاية الكتاب فكرته المركزية قائلاً: "الحداثة هي عودة الجسد إلى الإنسان ليغدو فردا، وعودة الحاضر إلى الوجود ليكون حرية". ولقد حرص الباحث الشاب على التأكيد في أغلب فصول هذا المؤلف على أن الحداثة هي الحق في الحاضر وأن الفرد أساس الكونية. لكن ماذا عن الجسد؟ يجيب الكباص بإصرار: الجسد هو الحاضر. لذا فالحق في الجسد هو السبيل الوحيد لامتلاك الحاضر.

...........................

الاخبار الثقافية والاجتماعية والفنية والقصائد والصور والفيديوهات وغير ذلك من فنون يرجى زيارة موقع نخيل عراقي عبر الرابط التالي :-

www.iraqpalm.com

او تحميل تطبيق نخيل

للأندرويد على الرابط التالي 

حمل التطبيق من هنا

لاجهزة الايفون

حمل التطبيق من هنا

او تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعي 

فيس بوك نخيل عراقي

انستغرام نخيل عراقي