الطب في بواكير عصر النهضة من العربية إلى اللاتينية

كلكامش نبيل| كاتب عراقي

في العام الماضي، وجدتُ بالصدفة صورًا من كتاب طبي للطبيب البغدادي المسيحي «ابن بُطلان»، كان كتابه قد تُرجم من العربية إلى اللاتينية. البارحة، وفي أثناء تصفّح «المُنجد في الأعلام»، من إعداد الأب لويس معلوف وآخرون، وإصدار المطبعة الكاثوليكية في لبنان، فوجئتُ بابن بُطلان مجددًا، وكتاب طبي آخر تُرجم من العربية إلى اللاتينية.

رغم كل التحامل المبني على إسقاط الوضع الراهن لمنطقتنا، فإن أوروبا كانت قد نهلت بالفعل من العالم العربي الكثير أبان بواكير عصر النهضة، وههنا مثالان:

１- كتاب «تقويم الأبدان في تدبير الإنسان»: من تأليف أبو علي يحيى، المعروف بابن جَزلة، وهو طبيب عربي مسلم من بغداد نُقل كتابه إلى اللاتينية في عام 1280 للميلاد، كما طُبعت نسخة منه باللاتينية في ستراسبورغ في عام 1532. في هذا الكتاب، رتّب «ابن جَزلة» أسماء الأمراض في جداول، مع وصف طرق العلاج لـ 352 مرضًا. استعرض «ابن جَزلة» أنواع الأوبئة والأمراض وأوقات ظهورها، والبلدان التي تنتشر فيها، وطرق تشخيصها، وكيفية علاجها. كما ربط في الجداول بين حالة المريض النفسية والاجتماعية ونوع المرض الذي قد يصيبه، فكانت تلك من أوائل الجداول التي ربطت بين علم الطب والاجتماع وعلم النفس.

２- كتاب «تقويم الصحة»: من تأليف المختار بن الحسن، المعروف بابن بُطلان، وهو طبيب وفيلسوف عربي مسيحي من أهل بغداد، توفي في عام 1063 للميلاد بعد أن ترهّب في أحد أديرة أنطاكيا، له مصنفات في الطب والفلسفة، منها «دعوة الأطباء» و«تقويم الصحة». تُرجم الكتاب الأخير، الموجّه للقارئ غير المتخصص في الطب، إلى اللاتينية في عام 1531 وتُرجم قبل ذلك باقتضاب إلى اللاتينية في باليرمو وربما نابولي. وبقيت منه أربعة نسخ كاملة، نُسخت في لومبارديا في القرن الرابع عشر، وفي فيينا وباريس ولييج وروما، إضافة إلى بعض الكتيبات من القرن الخامس عشر. وللكتاب أهميته في دراسة طب العصور الوسطى وتاريخ الزراعة وتاريخ الطهي.

يصف الكتاب فوائد وأضرار الأطعمة والنباتات، وفيه أقسام عن القدر المناسب من الطعام والشراب، وفوائد الهواء النقي، ودواعي اللجوء للراحة، وفوائد النوم، وتأثير الحالة الذهنية، وبل وتأثير الموسيقى في علاج الأمراض. ذكر «ابن بُطلان» أن الأمراض تنتج عن عدم ضبط أحد العناصر السابقة.