loader
MaskImg

المقالات

مقالات ادبية واجتماعية وفنية

الفنان وأقرانه

breakLine
2023-10-31

 


محمد خضير || كاتب عراقي


بين وجوه عديدة، قريبة لصيقة، وعابرة عائمة، يرسم الفنّانُ وجهه في تعبير أخير، سابق لرحيله. ووسط هؤلاء اللُصقاء والعابرين، تفرض الأيقونةُ الشخصية دلالتها على زمن ما_ زمن الرّسم وما بعده_ بقوة الوجود الضمنيّ، والانعكاس الغيريّ معاً. 
 يتأمّل الزائرُ المستعرِض وجوه اللوحات الملتقَطة في أحوال مختلفة، فيقارن بين الأمس والحاضر، عبر التقاطيع الغائرة في نسيج اللوحة، ووسط الخلفيّات المسرودة من الحياة اليومية للفنان_ مشاهداته في المحيط الاجتماعي الزاخر بالوجوه. لا يكتفي الفنّان بتوقيع وجوه الآخرين باسمه الصريح، بل يذهب إلى أبعد من ذلك: يوقّعها بضمّ وجهه الشخصيّ بينها، بصمةً تقاوم النسيان والنكران. وهذا الإجراء هو أرقى درجات الاخلاص الذي يكنّه الفنّان لمن يرسمهم ويحرص على رفقتهم أبداً.
 ثمة انعكاس عميق، يوفّره الفنّان من طبعة وجهه الشخصيّ، يرتفع من داخل اللحظة المرسومة، ويسافر إلى أمام، وراء تربة القبر. أما وجوه الأقران فلا تعكس سوى شهادتها القصيرة، العابرة، على تلك اللحظة النرجسية لصورة الفنان. إنّها لحظة عميقة في الوجدان واللون المعكوس عنه بدقّة وعاطفة مكنونة إلى زمن آخر: يوم لا تنفع الصورة ولا تغني عن حفلة مشتركة للرسم التذكاريّ (ربما جاء تصويرها في نصوص يوم الحشر في الآخرة). وهكذا، فإنّ وجهاً منعكساً من مرآة يـُمسكها جواد سليم لرسم بروفايل يمثلّه بدقّة، سيتجاوز اللحظة المرسومة ليصوّر الانعكاس البعيد، الذي يرحل أمامه بإشراقٍ وإفراط تعبيريّين. ومثل وجه سليم، فإنّ وجه رامبرانت المرسوم في عتمة بُنّية، سيرسل ضوءه عبر كوّة المَرسَم حتى يومنا هذا. فإذا اجتمعت الوجوه بإشراقها ذاك، كاجتماعها في يوم "الحشر" حوكمت على ظلمتها التي جاءت منها.
  لا نعرف واسطةَ انعكاس الوجه في لوحات الفنّان جاسم الفضل، ونحدس أنّها واسطةٌ عاكسة للروح الخافية عن الأنظار_ الروح المعذَّبة بهواجسها الدنيويّة. صورة تأتي للقاعة بتجهيز سطحي، لم تتخلص من آثار فرشاة الرسم أو حفر سنّ القلم الفحميّ، كي تعكس الانهمام الذاتي، والصيرورة التشكيلية لها. لكنها، وبمثل هذه التجهيزات، تـضيع المصادر، وتُخفى الأعمار، على أساس الانعكاس النافذ عبر السنين، بذاته التشكيلية_الصُوريّة_ لا بذات الفنّان الحقيقية. فالفنّان المتواري جسدياً، مع نظرات عينيه النافذتين، يبقى مصدراً محتملاً لأعمق التأملات والتصويرات الذهنية، وأشدّها تمحوراً حول الذات. 
 ليست سوى صورة (بورتريت) قادمة من العتمة، تنير قاعة المعرض بانعكاسها المضيء؛ عسى أن تغسلها مياهُ الزمن بنظراته الخالدة.
 ولكن، ليست صورة الفنان وحده، بل تأتي معها صور الوجوه القريبة والبعيدة، تحفّها من كل جانب، وتعطيها ما تختزنه من ظلال وألوان وتفصيلات خلفية_ سرديّة.


*  (تأمّل أوليّ في بورتريهات الفنان جاسم الفضل، ضمن معرضه الاستعادي بجمعية الفنانين التشكيليين_ البصرة، ٣٠ تشرين الاول، ٢٠٢٣)

...........................

الاخبار الثقافية والاجتماعية والفنية والقصائد والصور والفيديوهات وغير ذلك من فنون يرجى زيارة موقع نخيل عراقي عبر الرابط التالي :-

www.iraqpalm.com

او تحميل تطبيق نخيل

للأندرويد على الرابط التالي 

حمل التطبيق من هنا

لاجهزة الايفون

حمل التطبيق من هنا

او تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعي 

فيس بوك نخيل عراقي

انستغرام نخيل عراقي