المربع البغدادي

ابراهيم بن حاتم الافندي / كاتب اماراتي

يعد المربع البغدادي لوناً من ألوان الغناء الشعبي الذي اشتهرت به مدينة بغداد، إذ عرفت محلاتها أمسيات المربع في مناسبات عديدة كالختان والحناء والرحلات إلى الكسلات المشهورة بالإضافة إلى المناسبات الاجتماعية الأخرى. تعود تسمية المربع البغدادي بهذا الاسم إلى تكوينه؛ إذ يتكون من أربعة أشطر، ثلاثة أشطر من نفس القافية والشطر الرابع من قافية مختلفة، كقولهم:
"الليلة حنته وباجر الزفة
ربعه وأخوته فرحانة ومكيفة
واحد يدك دنبك واحد بدفة
ديدك وآني أغني لخاطر عيونه"

إن الحضور الأكبر للمربع البغدادي هو في شهر رمضان المبارك الذي يعد فرصة لاجتماع البغداديين على موائد البقلاوة التي ترافق لعبة المحيبس الشعبية الشهيرة بعد فترة الإفطار، حيث يبدأ قارئ المربع بالوقوف في فترة الاستراحة وقراءة المربع ليتفاعل معه الحضور مرددين الأبيات التي يؤديها على وقع الآلات المرافقة. وقد اشتهرت بغداد بعدد غير قليل من قراء المربع مثل: إبراهيم كرادي ومحمد العاشق وصالح العزاوي وقاسم الجنابي وفاضل رشيد وعدنان الشيخلي وغيرهم.

أما اليوم فانحسر المربع البغدادي ولم يعد له مستمعون ولا قراء إلا نفر قليل من المتمسكين بتلابيب التراث الشعبي البغدادي والمتذوقين لفنه. ولو حاولنا فهم أسباب انحسار هذا الفن البغدادي العريق قد نستطيع القول أن السبب الأول يعود إلى هجرة الكثير من البغداديين بسبب الظروف الاقتصادية والسياسية التي عصفت بالحياة البغدادية، واستقرار الكثير من المواطنين العراقيين من المحافظات الأخرى في بغداد؛ مما أدى إلى شهرة فنون أخرى على حساب أفول نجم المربع البغدادي، والسبب الثاني يكمن في شحة دعم المؤسسات الثقافية والمعاهد الموسيقية لهذا اللون الفني العريق، وثالثاً لأن هذا الفن اشتهر به جانب الرصافة فقط بينما اشتهر جانب الكرخ بالعتابا والجوبي.

قد كانت هناك محاولات لإنعاش هذا الفن من خلال الجهد الذي بذله الراحل طيب الذكر يحيى إدريس من خلال استضافة قراء المربع في برنامج كان يذاع في التلفاز، والأغنية الشهيرة للفنان كاظم الساهر "تتبغدد علينا واحنه من بغداد"، بالإضافة إلى إعادة غناء الفنان تيسير السفير للمربع البغدادي الشهير " مدري من الكرخ لو للرصافة" الذي غناه لأول مرة المرحوم صالح العزاوي، لكن هذه الجهود كان في فتراتٍ متباعدة تفصل بينها سنوات. وقد تكون هناك جهود فردية أخرى لم أطلع عليها.
أرى أن الحلول المثلى لاستعادة مجد المربع البغدادي الذي يعد هوية خاصة لأهل بغداد تكمن في تسجيله في قائمة التراث العالمي لليونسكو، ودعم وزارة الثقافة من خلال إقامة فعاليات خاصة به ودعم قراءه، ووضع مناهج لتدريس طرق قراءة وأداء هذا الفن في معاهد الفنون، ومساهمة الإعلام في تذكير الناس وتثقيفهم بهذا النوع من الفن من خلال الحملات الإعلامية، بالإضافة إلى إقامة مسابقات للمربع على غرار مسابقات الغناء المعروفة في العراق وخارجه أو السماح لقراء المربع بالمشاركة في مسابقات الغناء العامة المختلفة. محبتي.