loader
MaskImg

المقالات

مقالات ادبية واجتماعية وفنية

بردُ اللغةِ واشتعالُ المعنى قراءة في شاعرية حنان الدليمي.

breakLine

عمّار المسعودي || شاعر وكاتب عراقي


في المعاجم تبدو اللغة هامدة سابتة مثل أدثرة زائدة  مهملة تحت وطأة عنابر شتاءات بعيدة. 
هذا هو برد اللغة القادم من انعزالها مفردات متناثرة مثل ألوان لم يمازجها أحد فيمر الناس عليها لفظا لفظا لكنها سرعان ماتعود أدراجها غير مبتهجة ؛ كونها استقدمت للنفع وليس لإنتاج الدهشة الخالدة. 
اللغة وجودنا فهي خيمة البدوي وقصر الحضري وبستان الفلاح وسفينة البحارة وموج الفرات ومجد الصفات وسبب النزول وتأويل الخفاء وزرقة السماء هي الحافة بنا المزهرة المورقة .
هكذا نتفلت من بردها ومن عزلتها لذا نبتكر لها الأغاني والأماني والأسرار والحكمة التي في الأفكار والبلل الذي في الأمطار والآمال التي في زمزمة الأبيض الذي في الأسحار. 
من هنا من برد اللغة المخزونة في عنابر تصِلّ وترتجف مكومة الفكرة المقطوعة والممنوعة والمكبوتة والمقهورة. 
من أشعل الشعر فيها تلال الكلمات الباهتة تلك من ساوى فيها بين الابتسامة وبين الأنين إنه صوت الشعري وموقده المشتعل وهو يتذكر ماتنساه المعاجم من أشكال للكلمات إنها التجارب والرؤية وهي تفور وتعتمل في قلوب يساورها الحزن كما الفرح الإيجاد كما التضييع  الفرار كما المواجهة الليل كما النهار الخير والشر والبغض والحب هذه هي عناصر الموقد الشعري إذ تتوهج في ذات الشاعر لأربع وعشرين ساعة الشعر لا يهجع إنه يداخل قمصاننا وثيابنا المعلقة على حبال الريح وأيامنا المسمرة انتظارا للأمل وشواطئنا التي بنشوة كفين على مقعد قصي واحد. 
الشعر/ الموقد الشعر مسافة الطين إلى الخزف المنمق مسافة فاتنة تنش عن خديها قبلا بائتة لائذة تحت غصن شجرة متخلصة من الفائض الذي في الحنين. 
من البرد الذي في الكلمات إلى دفء نتحسسه في أصابع الشعر وانامله الخفية هذا ما أوجدته فينا الشاعرة حنان الدليمي صمتا لحكمة ودهشة لفتنة وبوحا لبوح وسهوا لدقة وآه لحرقة وسعفا لنخلة عمر باسلة وباسقة وتموجا لساقية نستها الشاعرة في دفتر قديم من شدة العطش. 
الدخول لتجربة محتشدة بالرؤية الصوفية المستحيلة تحت نضائد الكهرب قطرات ضوء وعطر سيكون محفوفا بضرورة الجهر بصوت عال يتلاشى في وديان تجربة ضاجة بالعسل لا بعاملة النحل وبالعطر لا بنباتات تشهد لصالحها بالضوء لا بالقناديل بشفة تبيضّ أكثر تحت أبهاء القمر  لا بالقمر. 
أنك تجوس شعرية طرية ندية تسمع أهل الشعر يترددون في تجربتها لكنها تتخلص بمراوغة عجيبة عن آثارهم فالشعر لدى الدليمي خلاصات تذهب إلى المطلق والجوهريات والكليات ولكأنها ما هصرت غصن وداد ولا حزنت بعد غياب ولاذهبت بعد إياب. 
مايميز تجربتها هو تطويع اللغة مصيرة الجملة الشعرية ريقا طيبا وغصنا يتثنى لينا وصفاء الموسيقى وسحر القوافي وجنى لفاكهة عنيدة وبعيدة إذ نجدها في أحدى القصائد تقول :
أزف الحين فلا مهل لهُ
يقطع الدرب الذي كللهُ

بالخسارات وهل كنَّ به
غير عمر خائب أكملهُ
حاز من جرّائه الصمتَ فمٌ
من صليل يعتريه الولَهُ

لغة الماء هدير بالغ
فيه كالنهر الذي أوّلهُ

والليالي لعنة أدركها 
حين أفنى آخر أوّلهُ

يتشظى حوله النور فما
من بصيص سانحٍ أجمله

ماينمي الشعري في هذا النص المكتنز بالعذوبة والمسكون بالدهشة هو ترافد عناصر الشعر متواترة متتابعة بنسق يشي بسرب نوارس تحت أضوية غروب خافتة وأبصار ساهمة. 
فمن توسعة اللغة التي تأتي من دهشة اللغة الخبرية التي تلقى ذابلة خالية من التأكيد انضاجا لفكرة الزمن الحاصلة بلا ريب أو تسويف. أو يأتي جمال النسج من تكرار ،،اللاءات ،، وهي تعزف مثل هلاهل في صمت اللغة او من وحدة الموضوع وتقطيع أسبابه وأوصاله في أحيان كثيرة وذلك بادخال مشاهد تقدم خرقا لتراتبية دلالية من ذلك مثلا : تلك العلاقة الساكنة بين زمن حائن  جائر يستكمل ويكلل خييات موجعة. 
في القصيدة تقنيات مضمرة تفعل فعلها في لفت التلقي وتوجيه القراءة لكنها تقنيات مذابة باحترافية صائغين ماهرين مثال الجناس الكامل الساكن في قافيتين وهو يتسلل للنفس الأنسانية مثل جرعة حزن في كأس عشق :
فيه كالنهر الذي أولهُ
مع :
حين افنى آخِرٌ أولهُ 
فما بين البداية التي في فكرة الأول وبين التأويل الذي يسكن مجرى الدمع ونهر الخسارات يكون الهدير صوتا للشاعر أهداه للماء للتخلص من ضخامة صوت الأرواح التي في أنين العشق ذائبة. 
من سمات نصوص الدليمي الأخرى إنها لا ترهق اللغة بالمجازات وما يحصل وقتها من ذهاب لمباكرة اللغة ولفطرتها الأولى هي اللغة الطفلة الضائعة في متاهات العصور والمتخفية في عواطف تشتعل من وطأة الرؤية وليس من جراء استعمال تقنيات إبلاغية وهذا مايحسب لبراءة النص/ الطفل غير المزخرف والملون والمحول والمعدول هو البداوة الأولى والنقاوة الخالصة هو فعل الذات في أتونها اللاهب وتنورها المستعر هو السجر لتتوقد فيه اللغة الحالمة  :
أول الغيث من سحابك قطره
فاسكب الماء إن بي لذع جمره

لا تذر ارضي الخصيبة ثكلى 
قبل رؤياك ساقيا كل ذره

أيها الناظر اعتلالي بعين 
المتشفي الذي يذيب بنظره

اعتزلني وغب كما شئت ظنا 
أن طول الغياب عطر وخمره

واتخذها نكاية وعنادا 
بفؤاد يلين لو كان صخره

إن تحسست مابه يتراءى 
أي شوق يمور في صدر حره

المنتبه لخلجات هذا النص سيلفته الصدق الشعوري وتدفق اللغة بلا مكر من مجازات تقف حائلة بين فطرة المناجاة والبوح الشفيف وفكرة الهيام الخالص. 
إنها شعرية خالصة تُعمل تقنيات علم المعاني بتجلياتها بين الخبر ومستويات تقديمه والإنشاء وتمظهراته من نهي وأمر ونداء وتمن ورجاء. مع توظيف سخي لمهارات بديعية تقف بمقدمتها الجناسات والطباقات مثلا تلك الكائنة مابين الماء والجمر ما يمنح الشعري مجدا بندوليا يتمرجح بين مسافتي الري والعطش أو الاحتراق والإنطفاء. 
أما تقانات الإنشاء وما تضفيه على القصيدة من لحظات زمنية إحداثية كأنها تقدم المشاهد لأول مرة ليس اتكاء على واقع خارجي وهذا سر مكين من اسرار شعرية الدليمي كونها تنفض الشعري عن النكهات المخيبة لصدقية التجربة مصاديق هذا تشاهد من انسياب اللغة فطرية عذبة لم يباكرها أنس في مراودتها ولاجان. وللتدليل على ماذهبنا 
إليه نذكر بعض مصاديق لأمثلة انشائية كما في فعل الأمر  ،، إسكب  ،،  ولم يكن قد حصل الانسكاب و ،، اعتزلني ،، وقد كان مرابطا  و،، اتخذها ،، وقد كان ناكثا كذلك  النهي في ،، لاتذر  ،،  وقد كان ذاريا و تاركا والنداء  ،، أيها الناظر  ،، وقد كان غافلا .وبهذا تؤشر إدارة شعرية انشائية توحي بتوهح اللحظة الشعرية بعيدا عما يشغل الروح المتوهجة من عناصر تقع خارجها نستعين لاستجلابها بتوسلات المجاز الذي يقف حائلا أو صدا مانعا بين الرؤية الحقيقة وايصال جمرتها متوهجة.
 

...........................

الاخبار الثقافية والاجتماعية والفنية والقصائد والصور والفيديوهات وغير ذلك من فنون يرجى زيارة موقع نخيل عراقي عبر الرابط التالي :-

www.iraqpalm.com

او تحميل تطبيق نخيل

للأندرويد على الرابط التالي 

حمل التطبيق من هنا

لاجهزة الايفون

حمل التطبيق من هنا

او تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعي 

فيس بوك نخيل عراقي

انستغرام نخيل عراقي