بورتريه ثقافي للسياب

صالح زامل | أكاديمي عراقي

أمام هذه الأرض الموغلة بالتطرف وبانبثاق الدم تأتي كتابة السياب لتكون في الركب، فليس غريباً أن يوصف لنا أنسي الحاج السياب فيقول مثلاً " جاهلي، بدوي، فلكلوري، خرافي، أنكلوسكسوني، واقعي، هجاء، رثاء، مداح، بكاء، يسيل به الشعر سيل قريحة فارطة، ويسيل معه الشعر حتى الموت"

هذا التوصيف في جانب كبير منه ينطبق على السياب الإنسان وإلى حد ما الشاعر، أشبه بكيس الحاوي الذي لديه من كل شي طرف ما، جاء لبغداد وأمامه أنموذج الشاعر الوطني الجواهري، اختصر عليه طريق الدخول للشهرة بأن تبنى حاجات الشارع وهي القصيدة السياسية والانتماء، حتى حمل على الأكتاف وهو يلهث في المقدمة، وأتاحت له الدربة المنبرية أن يقوي عود الشعر، ثم قادته إلى مجموعة من التناقضات تشهد على قمة التطرف من القصيدة التقليدية إلى الشعر الحر، ومن انتماء راسخ بمرجعياته للشيوعية إلى عدوها اللدود بانتماء مشاكس للقومية، ومن القرية إلى المدينة وبالعكس، ومن الجماعية إلى الفردية، ومن الثقافة العربية إلى الغربية، ومن الحياة إلى الموت حتى لتطول هذه القائمة.

هل يمكن لكل من يتلقى السياب أن يستقبله بهذه الشهرة التي انتهى إليها، فيبرر تناقضاته أو يخفف من حدتها، هذا إذا انتهينا لواقعة ثقافية مزامنة أو قارناها بمثيلاتها، أما الآن لا يمكن أن نسوق السياب بكل تلك الصور، وقد لا نبرر لتلك الواقعة أن تكون بتلك الصورة بعد نصف قرن من وفاته.

أظن إلى حد كبير نحتاج إلى أن نجعل الثقافة جزءاً من عاداتنا، ولا نسمح بهذا الخلط الساذج والصادق النية، لقد كانت بعض الاشياء ممكنة ومقبولة في فترة معينة وفي ثقافة معينة، لكنها لم تعد كذلك في فترة أخرى وفي ثقافة أخرى، يفترض اليوم أن لا نتصرف بالبساطة نفسها والطبيعة نفسها وأن كان ضمن ظروف مماثلة، ليدل ذلك على تغير في الذهنيات حصل بيننا وبينهم، فليس لأننا لا نؤمن بالقيم نفسها، وإنما لأن ردود الفعل الأساسية ليس هي نفسها، وسببنا أن العراق يعيد إنتاج هذه المشكلات، وتمر بالتغاضي عن مسؤولية المثقف، ومن دون عناية السابق باللاحق، ولكي لا نقف عند لحظة واحدة لا نعبرها.