loader
MaskImg

المقالات

مقالات ادبية واجتماعية وفنية

تحت المجهر "سمة الزمان في الزمن الجائع" في نص للشاعرة نازك مسّوح

breakLine
2024-04-16

 

 

آسيا يوسف | شاعرة وكاتبة سورية

 

''الزمنُ الجائِع''

حتَّى أكونَ مُتصالحةً معَ أصغرِ هُنيهةٍ، من زمني الآيلِ للعُبور
زمني المتخمِ باللَّا شيء..
سأعترفُ بأنَّهُ:
 لا جديدَ أحتفي بهِ على موائدِ الوقت
لا مزيدَ من العجائبِ لإيقافِ انزلاقِ الزَّمنِ
على جليدِ  الدهرِ الغارقِ 
في الضَّباب. 
كلُّ ما هو مقدَّمٌ على تلك الموائدِ
فُتاتُ نكهةٍ تقليديَّةٍ،
كلُّ ما على تلكَ الموائدِ من إدامٍ
لا يسمنُ ولا يغني من جوعِ الزَّمانِ وعطشِه.
جوعٍ يصلبُ دهري في اللّحظةِ آلافَ المرَّات..
يزرعُ طريقَ جلجُلتي الطّويلِ بالقَندول
وقبلَ "العشاءِ الأخير" تلتهمُني حِرابُه.
في ظلِّ هذهِ الغَوغائيَّةِ والفَوضى،
هل سيأتي الربيعُ "الطّلقُ ضاحِكاً "لي
قبلَ أن يبلغَ عُمري أرذُلَهُ
قبلَ أن يفتكَ به صقيعُ الوحدةِ؟
لا بدَّ أنَّهُ آتٍ وحينَها سأَنبتُ وأترعرعُ حيثُ بُذرتُ، 
ولن أكونَ خائنةً "كطَرخُونِ" الشّام،
سأمضي وأثمرُ لا بل أستثمِرُ
في مواسمِ سَنواتي
المُزهرةِ المُقبِلة.

سنقرأ نص الأستاذة نازك مسّوح حسب المنهج النفسي، والزماني من حيث المعاصرة وحسن التوظيف. نبدأ كالعادة من العتبة الأولى للنص لنستطع الولوج في متن النص (الزمن الجائع) لا ريّب إن الزمن شغل الإنسان الشاغل، والمبدعون هم الأكثر حساسية تجاه الأزمنة والأمكنة ومختلف الأشياء فالزمن في عِرف المبدعة يشكل هاجساً ألقت عليه أمانيها وشخّصته كإنسانٍ فأسبغت عليه صفة الجوع في كناية واضحة تبين دور الزمن في حياتنا ككل.
توظف المبدعة المفردات الزمنية لتعبر عن حالتها الشعورية
فبدأت النص ب( حتّى) الأداة التي تدلّ على الزمن كحرف جر وغاية حتى انتهاء الغاية،
(حتى أكونَ متصالحةً مع أصغر هنيهةً من زمني الآيل للعبور)
والهنيهة هي أصغر وحدة زمنية أصغر من الثانية فالمبدعة تبدأ من الجزئيات لتنتهي إلى الكليات
حيث الزمن العابر شئنا أم أبينا
وهذا الزمن لا يحدّه شيء فهو مفتوح على الآفاق غير متاخم لأي حدّ. وتقدم الكاتبة اعترافها ومن الواضح إنها في حالة نفسية من الخذلان و تشعر بعدم الإنجاز فلا جديد تحتفل بإنجازه وجعلت للوقت مائدة في تجسيد.. وكأن الوقتَ شيءٌ يؤكل فهو مادة معنوية مُستهلكة...
والمبدعة بانتظار حصول المعجزة أو إحدى العجائب التي انتهى زمنها، فهي تشعر انقضاء الزمن وهو ينزلق من حياتها و لاشيء يوقفه، وميزت بين الزمن والدهر فالزمن هو تاريخ الحياة الفعلي بينما الدهر هو الزمن الممتد منذ الأزل وإلى الأبد...
وتحاول إيقاف الزمن فتجلّده لكنه ينزلق فالدهر جليد يغرق في الضباب مما يدلّ على غموض المستقبل وعدم فعالية المبدعة في الزمن. وتشكو المبدعة من حالة السأم و الروتين و التكرار فكل ما يقدمه الوقت تقليدي ومكرر فلا حديد تحتفي به. ورغم صيغة التكثير ( موائد) نجدها غير فعالة على كثرتها فلا تسمن و لاتغني من جوع. وليس جوع البشر بل الزمان الذي يلتهم حياتنا ولا يشبع ويظل في حالةٍ من الجوع والعطش إلى المزيد...
و تنتاص المبدعة مع ثقافتها الدينية فتجعل من الدهر إنساناً يُصلب (كما صلب السيد المسيح) في الأنجيل فشخّصت الدهر كإنسانٍ يصار إلى صلبه مراراً وتكراراً في اللحظة الواحدة.
والزمن يزرع لها المعيقات (القندول وهو نبات شوكي يُعرف بالجربان) وهنا نرى حسن التوظيف لأسطورة سيزيف الذي يحمل صخرته إلى جبل الجلجلة معذباً بآثام البشر وإذ يحمل صخرته و يرقى إلى الجلجلة وكلما وصل إلى القمة تدحرجت الصخرة إلى السفح ليعاودَ المحاولة من جديد مستمراً بلانهاية. وكذلك مع قصص الأنبياء و درب الآلام للسيد المسيح الذي حمل صليبه إلى الجلجلة مفتدياً البشرية فهو الفادي. وتعود إلى الاقتباس من الثقافة الدينية فتذكر العشاء الاخير الذي يذكرنا بعشاء السيد المسيح مع تلاميذه. لكن الشاعرة ستكون وجبة الزمن قبل وصولها إلى مرحلة العشاء الأخير... 
فكل ما حولها من فوضى وحروب وتداعياتها تؤكد مصيرها المحتوم. ثم تطرق المبدعة بوابات الأسئلة. هل سيأتي الربيع الطلق ضاحكاً مقتبسةً من رائعة ( البحتري) في وصف الربيع. لكن ربيعها مختلف فهو ربيع الحياة وازدهارها لا ربيع الطبيعة وحيويتها، فالأوضاع التي يمرّ بها الوطن والحالة الاجتماعية والاقتصادية يجعلها في حالة من الانتظار اليائس، ضاحكاً لي. قبل أن يبلغَ عمري أرذله... 
فالمبدعة تستشعر انصرام الوقت دون أن تحقق أحلامها وأمنياتها. مكررةً ( قبل) و كأنها تتوسل الزمن ان يعينها قبل أن تبلغ شيخوخة العمر وتعاني من شتاء العزلة والوحدة بمفردها دون رفيق. وفي المقطع الأخير تستعيد الشاعرة آمالها و عزيمتها قائلةً: لا بدّ أنّه آتٍ فنرى نفحة من الأمل و بارقةً من نور فهي لم تفقد الأمل وما تزال رهن انتظار وحينها ستنبت و ستكون بارةً مخلصة.ولن تكون خائنة ( كطرخون) الشام، متقاطعة مع المثل الشامي
(خائن الطرخون إن زُرع بالشام ينبت بحلبون)
والطرخون هو نبات من العرائش الممتدة يزرع و يمتد إلى أماكن بعيدة. وقررت إن مثلها لايخون فهي بارة، ولن تكتفي بالعطاء بل ستستثمر كل لحظة من العمر الآتي لتجود وتعطي في كل مواسم وقتها وسنوات عمرها اللاحقة.
سمة الزمان في نصِّ ( الزمن الجائع):
ما نعيشه من أوضاع اقتصادية وحياتية تجعلنا نستشعر لاجدوى الزمن وعدم فعاليتنا فينساب الوقت مهدوراً دون فائدة ويبدو أن للحرب و تداعياتها على وطننا الغالي وما نعيشه جعل الأدب على المحك فأضحت النصوص ترجمان الحالة الشعورية التي يعيشها الأدباء والمبدعة تعبر عن حالتها النفسية وحالة القلق النفسي مقتبسةً من ثقافتها الدينية وحالتها الشعورية في تداعٍ لأناها العليا مؤكدةً إنها مؤمنة إن الله لن يخذلها وستحقق أمنياتها وستكون وفيةً لمن ساعدها على الزمن و أسهم في عودتها لتثمرَ من جديد.
من خصائص النصّ الحداثي: الصورة الشعرية و التكثيف وحسن توظيف الأسطورة ومنابع ومصادر الإبداع مثل المعجم الديني والمعجم اللغوي والصور البديعية والمَثل الشّعبي 
وعملية التوليف تثبت براعة المبدعة في التعبير عن تجربتها الشعورية والحالة النفسية التي مرّت بها وأحسنت التعبير عنها
 تمنياتنا للكاتبة المبدعة بالتوفيق واستمرارية الإبداع في تجربتها الأدبية.
 

 

 

...........................

الاخبار الثقافية والاجتماعية والفنية والقصائد والصور والفيديوهات وغير ذلك من فنون يرجى زيارة موقع نخيل عراقي عبر الرابط التالي :-

www.iraqpalm.com

او تحميل تطبيق نخيل

للأندرويد على الرابط التالي 

حمل التطبيق من هنا

لاجهزة الايفون

حمل التطبيق من هنا

او تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعي 

فيس بوك نخيل عراقي

انستغرام نخيل عراقي