loader
MaskImg

المقالات

مقالات ادبية واجتماعية وفنية

تشتت الهوية والصراع الداخلي في قصص فاضل الحمراني

breakLine
2024-12-20


عبد الحسين الشيخ علي   /  ناقد عراقي


قصص فاضل حمود الحمراني "تشتت" و "غصة" و "انزلاق" تتناول موضوعات نفسية عميقة تلامس الوجود الإنساني في أبعاده النفسية والوجودية، وتكشف عن صراعات داخلية متجددة يواجهها الأفراد في مواجهة أنفسهم، وفي تفاعلهم مع محيطهم الاجتماعي. من خلال المنهج النفسي، يمكننا أن نحلل هذه النصوص بشكل موسع، لنتناول الرمزية التي يحملها كل منها، والآليات النفسية التي تحكم شخصياتها، فضلاً عن الرسائل النفسية التي تنقلها. سنقوم في هذا التحليل بالتوسع في شرح هذه الأبعاد النفسية عبر النصوص الثلاثة.

قصة ( تشتت )
1- تشتت: صراع الذات والهروب من الواقع
الشخصية الرئيسية في "تشتت" تعيش حالة من التفكك الداخلي، حيث يظهر الانفصال بين الجسد والوعي كرمز للاغتراب النفسي. في الجملة "أرى جسدي على السرير مستلقيًا"، يتم تصوير الشخصية وكأنها خارج جسدها، تشاهد نفسها من منظور خارجي، وهو ما يعكس حالة من الفقدان للهوية والشرود الذهني. هذه الرؤية لجسدها تعكس الشعور بالعجز وعدم القدرة على التفاعل مع الذات بشكل طبيعي.
اللغة النفسية في القصة تشير إلى التهرب من المواجهة مع الذات، فالشخصية تجلس "مترقبة" وتكتفي بالمراقبة بدلاً من التفاعل، مما يعكس صراعًا داخليًا بين الرغبة في التغيير والإرادة الضعيفة التي تمنعها من اتخاذ خطوة حقيقية نحو هذا التغيير. كما أن تكرار ظهور الأم في النص يمثل الضغط الاجتماعي والعبء الذي يشعر به الفرد في مواجهة توقعات الآخرين، وخصوصًا العائلة. صوت الأم المزدحم "بالنداء" يعكس الشعور بالاختناق النفسي، حيث أن الضغط المتزايد على الشخصية يفاقم من شعورها بالاغتراب الداخلي، مما يعزز التوتر النفسي.
الهروب من الواقع هو سمة أساسية في القصة، حيث إن الشخصية تفضل البقاء في حالة سكون وجمود بدلاً من مواجهة التحديات. هذه الحالة من اللامبالاة تجاه المواقف تشير إلى القلق العميق الذي يعاني منه الفرد، حيث يكون الواقع نفسه مصدر قلق عميق، ويؤدي إلى التشتت الذهني الذي يمنع الشخصية من اتخاذ أي قرار حاسم.

قصة ( غصة )
2- غصة: الصراع بين الأمل والاستسلام في غصة، نرى تفاعلًا بين الشخصيتين الرئيسيتين: الأم والابنة، وهو تفاعل يبرز التفاوت النفسي بين الرغبة في المواجهة والقبول بالواقع. الأم في هذا النص تمثل العقلانية والقدرة على التكيف مع الواقع المرير، حيث أن "كلتا يديها كلتا من الطرق" يعكس حالة الإرهاق النفسي نتيجة محاولات مستمرة دون جدوى لتغيير الوضع الراهن. الأم لا تملك رفاهية الاختيار، فتقرر أن تترك مكانها وتهرب من العيش في أمل زائف.
أما الابنة، فتظل ممسكة بـ الأمل والتطلع نحو المستقبل، حيث تطلب من الأم أن تنتظر قليلاً، عل أخيها قد يفتح الباب. هذا التفاوت بين الشخصيتين يعكس صراعًا داخليًا في شخصية الابنة، بين التمسك بالأمل ومحاولة الاستمرار في المقاومة رغم إدراكها الضمني لصعوبة الموقف. الابنة تعبر عن الطفولة البرئية التي لا تزال ترى في العالم فرصة للإنقاذ، بينما الأم تمثل الواقعية القاسية التي تؤمن أن الرجوع إلى الماضي أو الانتظار لا يؤدي إلا إلى الخذلان.
النص يعكس الآليات الدفاعية التي تستخدمها الشخصيات لمواجهة الواقع المؤلم، فالأم تتخذ مسار الاستسلام والتخلي عن الأمل، بينما الابنة تتشبث بمظاهر الأمل حتى وإن كانت مشوهة وغير قابلة للتحقيق. تعكس هذه الدوائر المتشابكة من الأمل والخذلان الضغوط النفسية التي تؤثر في العلاقات الأسرية والتفاعلات الداخلية بين الأفراد.

قصة ( انزلاق )
3- انزلاق: مواجهة الخوف والضياع الوجودي في انزلاق، يتناول القاص موضوعًا أكثر وجوديًا ويمس صميم الأسئلة الكبرى حول الحياة والموت. السطر "فررت من لحدي عرياناً" يحمل رمزية نفسية عميقة، فالهروب من اللحد يشير إلى محاولة التحرر من القيود النفسية أو الاجتماعية التي تشكل القيود الداخلية. إن هروب الشخصية العاري من قبرها يعكس بداية التشظي النفسي، حيث يتخلص الفرد من تلك التقاليد والأعباء الموروثة التي تفرض عليه أنماطًا معينة من السلوك. 
لكن هذا الهروب لا يكون تحريرًا حقيقيًا، بل هو مواجهة مباشرة مع الخوف والشك. فالشخصية لا تجد نفسها في أي من القبور، وتظل في حالة من الضياع والارتباك، مما يعكس شعورًا بفقدان الهوية. هذا الموقف يطرح السؤال الوجودي الأعمق: من أنا؟ هل كنت ميتًا أم حيًا؟ يُظهر النص القلق الوجودي الذي يعاني منه الإنسان عندما يصبح غير قادر على تحديد هويته أو موقعه في الحياة. وهذا يعني أن الشخصية في لحظة الانزلاق لا تعرف إن كانت في صراع مع الحياة أم الموت، وبالتالي فإن هذا يعكس حالة من الوجود المشلول الذي ينتقل بين حالتين من الخوف الشديد.

ملاحظات نقدية؛
قصص (فاضل الحمراني) تتميز بعمق نفسي ورمزية مكثفة، حيث تركز على قضايا الاغتراب الداخلي والقلق الوجودي والصراع بين الهروب والمواجهة. أسلوبه المختزل واللغة الموحيّة يعززان الطابع النفسي، لكن التكثيف أحيانًا يأتي على حساب التفاصيل السردية والتطور الشخصي للشخصيات. التكرار في البنية السردية بين النصوص قد يضعف تنوعها، ويُفضل إدخال عناصر تشير إلى تطور أو انفراج للأزمات لإضفاء توازن على النصوص. التوصية تشمل تنويع الأسلوب، تطوير الشخصيات، وإضافة إشارات تربط القارئ بالواقع لتوسيع أفق التجربة الأدبية. الرسالة النفسية المشتركة، الرسالة النفسية التي ينقلها القاص من خلال هذه القصص تتعلق بالضغوط النفسية الناتجة عن الصراع بين الداخل والخارج، بين الرغبة في التحرر والخوف من المواجهة. في "تشتت"، يبرز الصراع بين الذات والجسد والواقع، بينما في "غصة" نرى الصراع بين الأمل والواقع المرهق. أما في "انزلاق"، فإن القاص يغوص في الأسئلة الوجودية الكبرى التي تتعلق بالهوية والمصير. النصوص كلها تحث على التأمل في القلق الوجودي وحالة الضياع النفسي التي يمكن أن يمر بها الفرد في محاولاته المستمرة لتفسير معاناته الداخلية وتحديد مكانه في العالم.
من خلال هذه القصص، يطرح القاص التوتر النفسي الناتج عن تجربة الإنسان في محاولة الهروب من واقعه المأساوي، لكنه يشير في الوقت ذاته إلى الوجود في حالة من اللايقين والصراع الداخلي الذي يمكن أن يؤدي إلى الانفصال عن الذات، ولكن يبقى دائمًا خيط الأمل الذي قد يرافق الشخص رغم كل الظروف.
 

 

 

...........................

الاخبار الثقافية والاجتماعية والفنية والقصائد والصور والفيديوهات وغير ذلك من فنون يرجى زيارة موقع نخيل عراقي عبر الرابط التالي :-

www.iraqpalm.com

او تحميل تطبيق نخيل

للأندرويد على الرابط التالي 

حمل التطبيق من هنا

لاجهزة الايفون

حمل التطبيق من هنا

او تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعي 

فيس بوك نخيل عراقي

انستغرام نخيل عراقي