loader
MaskImg

المقالات

مقالات ادبية واجتماعية وفنية

ثلاثة اوهام تؤدي إلى الخراب

breakLine
2021-01-09

ثلاثة اوهام تؤدي إلى الخراب

جعفر حسن / كاتب بحريني

 

من هو الطفل الذي بات يشغل مخيالنا الجمعي ؟ وكيف نتصوره ؟ وهل يتطابق ما نتصوره مع ما هو متحقق لدى أطفالنا ؟ وبالتالي نحدد من هو الطفل الذي نكتب له الأدب الموجه له ، ولعلنا للوهلة الأولى نكتشف تلك الهالة التي نظفيها على الطفولة فنتوسم فيها البراءة والصدق والنقاء.

فيبدو أن الصدق الذي نتوهمه عن الأطفال، هو صدق نابع من الحيادية، بينما الحيادية ليست موجودة إلا في متخيلنا الذي نفرضه على الطفل، ففكرة الحيادية تميل إلى إضفاء صورة تجعل الطفل بعيدا جدا عن العلاقات الاجتماعية، ومادام بعيدا عنها فهو بعيد عن المسؤولية التي نعتقد أنها ذات صلة وثيقة بالمشاكل، فنخلص إلى أن الطفل لا مشاكل لديه، وربما تكون تلك فكرة شائعة في تفكيرنا السائد، وقد نهمل في تفكيرنا حقيقة حجم المشاكل التي يتعين على الطفل حلها من خلال علاقاته الاجتماعية أثناء فترة النمو، وتبرز تلك المشاكل أكثر من خلال تلك الضغوط التي نمارسها عليه لنعده للأدوار التي نريده أن يلعبها في النضج، كما تبرز تلك الضغوط في تعقد العلاقة بين مجموعة الرفاق لتحديد الميول القيادية وأدوار الانقياد .

إن في توهمنا لصورة الطفل تلك ما يجعلنا نحظ أدبيا على إبقائه عند الشعراء والأدباء، ولكننا لا نستمع إلى صوت علم نفس النمو، والذي يجعل مطلب النضج مطلبا ملحا، فالطفل يريد أن ينضج، ويريد ذلك الآن، لا يمكن تأجيل مطلب الطفولة تجاه النضج، أن هدف الطفل الأول هو مغادرة الطفولة بأسرع وقت ممكن()، هذا إذا أخذنا بعين الاعتبار مسألة أن النضج الاجتماعي هو ناتج لعمليات فسيولوجية مضافة إلى المهارات المكتسبة عن طريق التعلم.

ولعل توهمنا الثاني عن الطفل هو تلك الحالة التي تصور الطفل على انه يتمتع بنقاء مطلق، وهو ما يوصلنا إلى الخطيئة الأولى، تلك الخطيئة التي تمثلت في ممارسة المحرم، ذلك التابو الذي يشمل الجنس، بينما نجد أن أدب الأطفال في عالمنا لا يحاول لمس ذلك التابو الذي يتمدد ليشمل مساحة الجسد ككل، مع أننا نعرف تلك الميزة التي يكشفها لنا علم نفس النمو، والمتمثلة في حب الطفل للاكتشاف، إن الطفل يكتشف الجسد رغما عنا، ورغما عن كل المحرمات، ذلك الاكتشاف الذي يبين له وظائفه، وعلائقه التي تمتد إلى الآخر.

إننا نكبت في تربيتنا وفي أدبنا الموجه للطفل كل محاولة لاكتشاف الجسد، مع إنها محاولة محكومة بالفشل، إذ إنها تحاول أن تتحكم في أكثر الأشياء حميمية للإنسان (الجسد)، وكما نعرف فإن مغامرات الطفولة تجاه الجسد يمكن أن ندركها في كثير من الأمور التي يعبر بها الصبية في انكشاف الذكورة، والتي تعبر بها الصبايا عن انكشاف الأنوثة في مستوياتهما الأولى، إننا امتداد للمملكة الحيوانية، ولكن الحيوانات في مستواها الأول تعبر عن الذكر والأنثى بالخصائص الجسدية، بينما في المستوى الإنساني، هناك إعلاء للذكورة في الرجولة وإعلاء للأنوثة في المرأة، وهناك إعلاء للكل في الإنسان، لكن ذلك الإعلاء لا يوجد إلا في عالم البالغين.

والسؤال الأهم في التربية يظهر بصورة ملحة عن شكل الإنسان الذي نريده، وبالتالي تنخرط آلة التعليم والتربية والإعلام والأدب والمسرح والسينما وغيرها من الأدوات والوسائل في تشكيل هذه المادة الخام التي تمتص من المجتمع والمحيط من البشر أهم ما تتعلمه في السنوات الأولى من التأسيس، والذي يتمثل في عمر الطفولة الذي يمتد إلى السنوات الخمس . حيث تشير الدراسات إلى أنها الفترة التي تتأسس فيها المعارف التي تبنى عليها مسألة التعليم التي يقوم بها المجتمع ، إن اغفال كل حاجات الطفولة يجعل معظم ادبنا المقدم للطفل محبوس في التربية الاخلاقية التي تدور حول المحرمات وبالتالي نجد أن شخصيات القصص والمسرح منمطة تماما وبشكل مطلق خير مطلق (أرنب) مقابل شر مطلق (ثعلب).

ولكننا بهذا نعيد إنتاج النماذج، ومع إعادة إنتاج نماذجنا، إنما نعمق إلى درجة كبيرة إشكالياتها التي لا نجد لها حلا، ولعل هذا يتم عبر إطار في الثقافة العربية نميزه بإطار الاستنساخ الذي تكرس في ثقافتنا، ونحن نوظف هذا الإطار بشكل شامل بحيث امتد في كل المؤسسات حتى بات آلة جبارة معززة بالقهر الاجتماعي والثقافي الشامل، بحيث تعيد إنتاج النماذج التي تكرس تخلفنا الاجتماعي والسياسي والاقتصادي، لذلك نجد إننا في أدب الأطفال لازلنا نكرر تلك الحكم وألموا عض التي ترسخ الخنوع .

ولنا أن نترك مساحة للانحراف في ذلك الاستنساخ الذي يقوم داخل الإطار الذي نتكلم عنه، ولكنه انحراف نحو ذوبان القيم الإنسانية، وظهور القيم الفردية التي تتناسب مع عصر الاستهلاك في الأدب الموجه للطفل، بينما نسلط كل أشكال القهر والإرغام على تلك النماذج المتقدمة عنا حتى عبر بعض نماذج الأدب، لنتأكد أن ما ننتجه من نماذج متخشبة تماما، ولا تمتلك الإجابات على أسئلة المستقبل أو تحاولها على الأقل .

وفي تربيتنا نزودها بإجابات أكثر ما يمكن أن يقال عنها بأنها نابعة من الأيديولوجيا المسيطرة التي لم تستطع حل المشكلات المطروحة على المجتمع برغم ما تدعيه في وسائل الإعلام يوميا، ولا أعني هنا أيديولوجيا الدولة، وإنما سائر السلطات الاديلوجية المتكاتفة التي باتت تعتقد أنها تمتلك الإجابات على كل الأسئلة، وتعتقد أنها تحتكر المعرفة والحقيقة وتستأثر بهما عن بقية قطاعات المجتمع، وهي تقدم بوصفاتها الجاهزة في ثنايا الأدب المقدم للأطفال.

ولعلنا ندرك أن إنتاج المعرفة العلمية إنما يحدث في المختبرات عبر العقول الجبارة التي تتولد في داخل الأمة، وهي ذات العقول التي نفتتن بوأدها في المهد قبل أن تتفتح لتجابه الأسئلة الكبرى، ولعل الفن هو الأمل الذي يتبقى في تلك الطاقة التي يمكنها أن تتفلت من ثقافة الاستنساخ لتمد أطفالنا بنتاج متقدم يساعدهم على فك شفرات الحياة النابضة، وإجابة الأسئلة التي فشلنا في الإجابة عليها، إنها أسئلة الحياة المتعلقة بمكاننا في هذا العالم الذي باتت فيه التكتلات تتعملق،  وتزداد جبروتا مما يهدد بتدمير الكوكب برمته، ويأخذنا إلى الفناء معه بلا حول ولا قوة.

أدب الأطفال يبقى طريقا مفتوحا، ويبقى الأمل بالمستقبل مشروعا، مادام هناك أطفال يشربون حليب الوقت ونكهة الآتي عبر ما نستطيع أن نحمله لهم، لعل هذا الجهد يضع خارطة ما عن كل هذا القلق الذي ينتابنا ويتفلت في كتابات مبدعينا التي توجه للأطفال على مساحة هذا الوطن العربي الذي لا يزيد فيه نصيب الطفل عن سطر في كتاب !

 

 

...........................

الاخبار الثقافية والاجتماعية والفنية والقصائد والصور والفيديوهات وغير ذلك من فنون يرجى زيارة موقع نخيل عراقي عبر الرابط التالي :-

www.iraqpalm.com

او تحميل تطبيق نخيل

للأندرويد على الرابط التالي 

حمل التطبيق من هنا

لاجهزة الايفون

حمل التطبيق من هنا

او تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعي 

فيس بوك نخيل عراقي

انستغرام نخيل عراقي