loader
MaskImg

المقالات

مقالات ادبية واجتماعية وفنية

ذاكرة المكان

breakLine

 


منى الماجري | شاعرة وكاتبة تونسية

 

ليست الجغرافيا من تتكفل برسم هوية المكان إذ يبدع الأدب في النهوض بهذه المهمة، وتكتفي هي بوضع الحدود بين الأمكنة، لأن المكان بدون هوية لا معنى له. وهوية المكان يرسمها ساكن المكان بنبضه ومشاعره وحاجته ودرجة انتمائه له وضلوعه في ما يعتمل بداخله، هو ذاك المكان إذن، مكان هو ساكنه في الحقيقة لأنه دون الساكن لا يعدو كونه خواء، لذلك أنظر كل ليلة في خريطة الجزائر وارقام الرصد الجوي ترصعها دون أن يترك ذلك لدي انطباعا خاصا، وعندما وطئت رجلي أرضها لم، أشعر أنني خارج تونس فالتراب هو التراب، والتضاريس هي التضاريس واللباس والقامة ولون البشرة كلها هي نفسها تقريبا ولا داعي للمقارنة بين السلع في المغازات وبين ما يعرض على قارعة الطريق، بعبارة أخرى هي تونس الثانية وكفى، ومع ذلك جئت إلى الجزائر وذهني غير خال منها إذ سبق الجغرافيا إلي ما يمكن أن أنعت به ما قرأته من الأدب الجزائري بأدب الرحلة فقد قدمت إليها وذاكرتي بل وجداني مثقل بما قرأته من أدب ''عبد الحميد بن هدوڨة'' و ''مولود فرعون'' 
و ''ياسمينة خضرا'' و ''البار كامو'' 
و ''أحلام مستغانمي'' و ''واسيني الأعرج'' ما جعلني موجهة برائحة ما، سبق أن رسمت معالم المكان في ذهني، ووجدتني وأنا أتجول في الأمكنة، أبحث عن وجوه عرفتها منذ قراءتي نجل الفقير le fils du pauvre، وأنا لم أعد الثالثة عشر من عمري وعن وجوه جنوبية رسمها عبد الحميد بن هدوقة في ريح الجنوب، وحاولت قراءة علامات الثورة في وجوه الفتيات لأنني وقعت أسيرة تلك البطلة الشابة في تلك الرواية لما قرأتها في ذلك الزمان البعيد، وأنا أتجول في الازقة الملتوية وفي مرتفعات المدينة ومنحدراتها تذكرت الرعب الذي سكن الراوي وهو يتجول في مدينته أستاذا جامعيا مهددا بالتصفية لا يخرج من البيت إلا إذا اطمأن من النافذة إلى أنه لا يوجد ما يتهدده في الخارج فيغادر دون ان يغادره الخوف، وتلك هي قصة البطل في احدى روايات واسيني الأعرج التي تحمل توقيع العشرية السوداء بالجزائر، ولكن لماذا أنسى عنوان الرواية ولا أنسى وجع بطلها؟! ما من شك في أن لذلك دلالة تتعلق بالأدب أو بقدرة ذاكرتي على التخزين وعلى نزقها وانتقائيتها، وعندما يتماهى الأدب مع المكان يصبح أحسن سفير له بل يضحي بطاقة هوية تغني عن كل الهويات الرسمية ولذلك لم أحفل كثيرا بحدود مدينة قسنطينة الشرقية والغربية ولم أحفل بتذكر مداخلها ومخارجها إذ منذ وطئت أرضها صاحبتني رغبة جارفة في التأكد من أنها مدينة الجسور المعلقة، وصف قراته أول ما قرأته في ثلاثية الاديبة الجزائرية أحلام مستغانمي، وألحت علي الرغبة في أن أمشي وسط الجسر المطل على مهوى سحيق، كانت أحلام قد اطنبت في وصفه ولما وجدتني أدخله وأمر به استنجدت آليا بتلك الصفحات التي صورته مسرحا لجريمة اغتيال السائق العسكري الذي رافق زوجة الضابط في جولة على الجسر لحمايتها فكان أن ذهب ضحية القيام بالواجب. قادتني تلك الأنفاس الحارة والقلب الواجف والدماء المتدفقة من صدور المغدورين كما قادتني تلك الرغبة الجامحة في التحرر التي حكمت تصرفات بطلة ريح الجنوب، وغيرها من الأحاسيس في التعرف على المكان، ولو لم يكن هؤلاء الابطال وغيرهم من الأصدقاء الجزائريين الذين يرسمون لي معالم الجزائر يوميا. جزائر تسعى إلى الانعتاق والتحرر وتعتصم يوميا في الشوارع لما كنت توجهت إلى أمكنة بعينها فيها الأعلام ترفرف وفيها التفاعل يتعاظم مع الحراك الشعبي، المكان هم أهله، هم نبض عقلهم ودفق انفاسهم، هو حلمهم واملهم 
أو يأسهم، هم ما حمل آباؤهم وما يحملون وهذا ما يميز المكان عن المكان أما التراب فهو التراب وأما التضارييس فهي التضاريس والقضية هي أن يشبهك المكان أو لا يشبهك.. أنا تشبهني الجزائر...
 

...........................

الاخبار الثقافية والاجتماعية والفنية والقصائد والصور والفيديوهات وغير ذلك من فنون يرجى زيارة موقع نخيل عراقي عبر الرابط التالي :-

www.iraqpalm.com

او تحميل تطبيق نخيل

للأندرويد على الرابط التالي 

حمل التطبيق من هنا

لاجهزة الايفون

حمل التطبيق من هنا

او تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعي 

فيس بوك نخيل عراقي

انستغرام نخيل عراقي