عقيل علي ناقوس الأوقات المنحنية

د. مسار حميد الناصري || كاتبة عراقية

بين الضوء الخافت المرتعش، والظل الساحب كالأيدي المعروقة المنسدلة ولدت تجربته الشعرية، عقيل علي الشاعر المغامر، صانع الغموض والعزلة المثيرة للأسئلة. انطلقت تجربته الشعرية من فضاءات التجديد الشعري في السبعينيات وقد تلمس طريقه بهوس البحث عن مساره الخاص، مسار ما يمكن أن تصنعه رؤيته الشعرية، تلك التي بدأت مع مجموعة (جنائن آدم) وبعدها ( طائر آخر يتوارى) باثراءات شعرية ساهمت في الإفصاح عن تميز صوته وسط عالم يمور بالتغاير أي عن شعر لا نعتقد أن أحدا يتردد اليوم عن إدراجه بين أصفى نماذج قصيدة النثر في العربية.
عقيل علي شاعر كرس فكرة أن العالم موجود بين دفتي قصيدة، وشعريته تملك في سياق مغامرتها الجريئة هذا النزوع المباشر للتجاوز فهو يوجز ببلاغة آسرة رؤاه، ويتمظهر خارج التقليدي في تكوين مفارقاته الزمكانية؛ لذا وجدت فيها الشعرية العراقية نفسها أمام انزياح أسلوبي وبنائي، يقف كثيرا أمام سؤاله الشعري ويعزز رؤيته الشعرية بمنظور فلسفي، يزاوج بين الشعرية بوصفها مفهوما والقدرة على إيجاد ممكنات تعزز هذه الشعرية التي تتيح انفتاح القصيدة على اللانهائي، تلك هي قوة الوعي يوغله في تلافيف اللغة والمعرفة، واظن أنه هذا هو جوهر الشعر أيضا، إذ يبدو الشعر هو الانزياح اللغوي الأكثر فضاضة في مواجهة كل تاريخ وقضايا الانسانية ومعاناتها.
أغلقت تجربته الشعرية في إطار مؤثراتها المعهودة ولم يخرج إلى صخب الأجواء، فهو شاعر أخلص لكينونته الشعرية/ الثقافية، التي جعلته ينحاز إلى ما هو عميق وسري ورثائي.
نعم كان ثمة شاعر أسمه عقيل علي، وكان له وجه طفل وجسد رجل، جسد نحيل، هش، كالمركب المنخور، إن نصوصه الشعرية جاءت؛ لتقول لنا إن الشعر سحر العبقرية، فهو بروز بائن على منصة قصيدة النثر.
خلاصة الكلام، إنه يريد أن يكون عقيلا بتفرده الذي لن يتكرر، وبقي شعره شاهدا على إرادته.