loader
MaskImg

المقالات

مقالات ادبية واجتماعية وفنية

قراءة في (حدوس في استشراف الحجازي المقدس) للناقد د. رحمن غرگان

breakLine

 

إبراهيم رسول / كاتب عراقي

تتصفُ أغلب نقود الدكتور رحمن غرگان بالصفةِ التخصصية؛ وهذه الصفةُ متوّلدة من التراكم المعرفيّ النقديّ، فطروحاته تأخذ الجانبَ التطبيقي المنهجي. لا يستطيع المتلقي العادي أن يستوعبَ هذه الطروحات ، فهي موّجهةٌ لنُخبةٍ تهتم وتشتغل في النقد الشعري المُتخصص. ولو تأملَ القارئ النص عميقاً, سيجد أن هناك لغة كثيفة ونقد كثير حتى ليَصعُب على المتلقي أن يشحذ همة دماغه ويتابع حتى نهاية البحث, لأنّه سيُصاب بالإرهاق والجهد الذي يأخذ من فكره الكثير, ومن يقترب إلى الطريقة في النقد التي يبحث فيها الناقد الأكاديمي د. رحمن غركَان, سيعرف كم المعرفة وسعة الوعي في الاحاطة بعالم المادة المنقودة. كثيرٌ من النقاد ممن عرفوا بأنّهم يعرفون المادة أكثر من مُلقيها, ولعل ابن جني الذي هو أعرف من المتنبي بشعره! وكثيراً ما كان يُسأل المتنبي عن معنى شعره فيقول: اسألوا ابن جني فهو أعرف بشعري مني! إن صحت الرواية أو لم تصح, فهي تفتح لنا الباب على حقيقية, هي أن النص حالما يخرج من صاحبه سيكون ملكاً بيد المتلقي, يُفسره حسبما يشاء! 
قد لا نبعد عن الصوابِ، إن قلنا: بأنّ هذه الآراء النقدية التي دوّنها في كتابه هذا، هي عصارةُ جهد كبير وكثير في الدراسة التخصصية التي طبقها على المادة الخام، إذ الجهد النقدي الواضح والواسع قد تجلّى بهذه السلسلة التي أصدرها تِباعاً، وأسماها سلسلة نقد الشعر الآن.
نلمحُ من العنوانِ الطويل، أنّ النقدَ سيكون موّجهاً نحو تكريس النظريات والطروحات والخبرات على عيّنة مميزة ومنتقاة وفقَ شروطٍ إبداعية أثارت الناقد وحفزته كثيراً. هذه المرة، كان الناقدُ معنيّاً بقراءةٍ أكثر تخصصاً وأعمق حفراً، ألا وهي قراءة في مجموعة أبيات شعرية ليس غير( قصيدة واحدة فقط).
فهذا الكتاب (حدوس)، يشتغلُ على قصيدةٍ واحدةٍ عنوانها    ( الحجازي)، التي تتألف من واحد وخمسين بيتاً، فالكتابُ كُلّه، قراءةٌ في قصيدةٍ!
الكتابُ دراسةٌ نقديةٌ في قصيدةٍ واحدةٍ إذن! وهذه القصيدة قد تحققت فيها الّلمسات أو الصفات الإبداعية والفنيّة، مما جعلها تكون العيّنة التي يُطبق الناقد عليها نظرياته التي هي انبثاقٌ من روح النص وليس خارجة عنه. إنّ عمليةَ الغوص في لُج عوالم المادة  موضع البحث وسبر أغوارها، يستلزم عدة كبيرة وكثيرة، ولكن، ما يُسجل للكاتب الناقد، أنّه على وعيٍ كبير وهمة عالية في هذه العوالم الإبداعية.
إنَّ بناء القصيدة كان بناءً يعتمد التأمّل وكما قال : وتنبني القصيدة _ هنا_ على التأمل في المتأمل بناءً سببياً معرفياً يحتكم إلى فائض خيال شعري لافت، بما يتعذر معه أن تقدم أو تؤخر بين الجمل أيضاً. (الكتاب صفحة 94  ).
فهو يعللُ السببَ في اختياره هذه القصيدة ليجعلها تحت مجهره النقدي: وأحسب أن القصيدة المختلفة اللافتة تجربة في الإبداع تستدعي أن نجترح لها رؤية نقدية منها، ومسافة وصول إليها. (الكتاب صفحة 12)، هذا المبرر النقدي هو ما التزمه وأوفى للقصيدة حقها بكامل التمام، فقد خضعت القصيدة على أهميةٍ كبيرة وكثيرة، كثرة تبعث المتخصص أن يضع المسوّدات بيده ليدوّن الحفريات النقدية التي مُورست على القصيدة.
الفصل الأول حمل عنوان: الشعر بوصفه حدوساً، ووضع فيه عناونات فرعية ثلاثة: أولاً : في المعجم الشعري، ثانياً : في المعنى الشعري، ثالثاً : في التصوير الشعري. هذا الفصلُ مثلَّ العتبة النقدية الأولى للولوج في عوالم القصيدة الأخرى الباطنة، قال في مقدمة الفصل : في الشعر العالي من الحدس، ما في الشجر الأخضر من الماء.                 ( الكتاب صفحة 17)، هو يستلهم الحدس الشعري الذي يستشرف الآتي _ المستقبل، إذ رأى الناقد أن الشاعر في قصيدته ( الحجازي) قد استشف المستقبل واستحضره شعراً، فكان المعنى الشعري يُقارب التصوير الشعري.
فهو يقول: يكون الشاعر ماءً، والناقد خلقاً منه ( الكتاب صفحة 23)، هذه كلمة تحملُ في روحها العديد من المعاني التي أبرزها وجوهرها هو: إن الناقدَ يقرُ بأن خلقه وتكوينه من المعين الذي هو إبداع الأديب ( الأدب) والذي شبههُ بالماء الذي يُخلق منه كلّ شيء حيّ، والمبدع الشاعر خلقَ المبدع الناقد! إذ الأسبقية والتكوين هو للأدب _الماء. هذه رؤية نقدية انتهجها الناقد في كتابه هذا، وراح يطبق رؤاه النقدية ضمن حدود الماء الواسع الكثير.
أما الفصل الثاني الذي عنونه ( حدوس تستشرفُ الحجازي المقدس)، إذ خرجت من أصل العنوان ثلاثة عنوانات فرعية هي: حدوس القناع /الشاعر، حدوس كلام القصيدة، حدوس الممكنات في القصيدة.
في هذا الفصل يُعيد الناقدُ القراءة من زاوية أخرى، ويستحضر الحدوس الشعري في القصيدة ( الحجازي)، وردت آراء نقدية قد تكون شخصية أو تُمثل صاحبها وذوقه النقدي مثل، اعتبار قصيدة الحجازي عينة ممتازة من عيون الشعر المدائحي، حيث قال: ولهذا فإن تقليد قصيدة البردة من مئات الشعراء لم ينتج لنا مئات القصائد  بل هي قصيدة التعدد استنساخ لها لا إضافة إليها. أما قصيدة الحجازي هنا فهي ثاني قصيدة في المدائح النبوية بعد كعب ين زهير. (الكتاب صفحة 83).
هذا الرأي قد يكون له السبب الأكبر في دراسة القصيدة دراسةً نقديةً تأخذ مساحة كتاب نقدي كامل!
رأيُ الناقدُ لم يكن اعتباطياً دون سببٍ؛ فالسببُ هو الإضافة النوعية لقصيدة المدح النبوي!
كتابةُ القصيدة تستحضر الرمز الديني المقدس هي استشراف يطل على ماضٍ، ما هو بالماضي، ويتنفس حاضراً ليس هو ساكناً (الكتاب صفحة 57). إنّ اتخاذ المقدس ثيمة شعرية، يحتاجُ عدة كاملة، وتوظيف المعلومة شعرياً وليس العكس!  الأدب يمثل الحياة والاخضرار للنص، سواء كان نصاً علمياً أم غيره، فثوب الأدب هو الثوب الذي يعطي حياة وروح للنص.
الفصلُ الثالث والأخير, وضعَ له العنوان الأكثر تخصصاً من الفصلين السابقين, ولكنه في الوقت ذاته لم يخرج عن ثيمة العنوان الأصلي للكتاب, فكان العنوان ( بناء الحدوس الشعري) الذي تفرعت منه ثلاثة عنوانات ؛ في الوحدات الشعرية, في المقاطع الشعرية, في الزمكان الشعري.
كعادته في هذه السلسة النقدية, يضع خلاصات السياحة النقدية التي صحبناه فيها, الخلاصةُ تكون عبارة عن موجزٍ يعتصر ويختصر الفتح النقدي الذي سايرناه من أوّل الكتاب حتى النهاية. 
الخلاصاتُ التي تركها في خاتمة الرحلة البحثية_ النقدية, هي تحملُ سمة أو صفة ذاتيّة, أعربَ الناقدُ عن سر هذه القراءة والجمالية التي فيها, أن تُكتبَ دراسة نقدية بحجم كتاب! وفي قصيدة واحدة! إذ يقول الباحث:  حسن تستفزك قصيدة لافتة في شاعريتها, تلحظ الحدس من لدن شاعرها جزءاً حيوياً في إبداعها. ( الكتاب صفحة 137).
لا بدَّ أن يكون للناقد صفة ذاتية, فليس من المعقول أن يكون عبارة عن آلة تكتب وفق ضوابط أو شروط, لكن الناقد أبعدَ التُهمة عنه بقوله هذا: أنّه قد تأثر في هذه القصيدة التي استفزته ليكتب عنها, هنا تجّلى البحث وظهر بصورةٍ أكثر دقةٍ, ألاَ وهي أنّه اشتغل على الرأي الذي يُمثل الناقد وذوقه واشتراطات المنهج النقدي, فالغايةُ متحققةٌ إذن.
الذي يقرأ نقود رحمن غركان, يلحظُ ميزة التخصص, كأنّه يمثل مدرسة خاصة به, وهذه المدرسة تعتمد منهجاً في التطبيقات والاشتراطات والاجراءات, فالعمليةُ ليست محض ذوق فحسب ولا هي تطبيقٌ نقديٌ صِرف, فهي بين هذا وذاك, تأخذ من هذا الروح الصادقة الطيبة التي تعطي للنص أكثر مما تأخذ منه أو تبخسه نصيبه من البريق الجمالي, وتعطي للنص قيمة عليا في مرور المنهج النقدي المنهجي.

...........................

الاخبار الثقافية والاجتماعية والفنية والقصائد والصور والفيديوهات وغير ذلك من فنون يرجى زيارة موقع نخيل عراقي عبر الرابط التالي :-

www.iraqpalm.com

او تحميل تطبيق نخيل

للأندرويد على الرابط التالي 

حمل التطبيق من هنا

لاجهزة الايفون

حمل التطبيق من هنا

او تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعي 

فيس بوك نخيل عراقي

انستغرام نخيل عراقي