loader
MaskImg

المقالات

مقالات ادبية واجتماعية وفنية

قراءة لنص (تراتيل الأزل) للشاعرة السورية فخر هواش

breakLine
2024-04-05

 

 

سيد عفيفي | ناقد مصري

النص...
مُتماهيان في القِدَم 
فجرٌ و حبّ في تراتيلِ الأزل ..
ينسجان النُّورَ  فتنشرهُ على 
كهفٍ للعَدم ..
تميلُ و الزَّنابقُ الزَّرقاءُ
باسمةً بأحضانِ النَّدى 
تُغري طَوحَ القبَّرات 
بالرقصِ و الغناء 
على أنغامِ راعٍ 
يسرِّحُ النَّاي على نهدِ السُّفوح  
من أنايَ ( عشتروت )
آتي هائمةً 
متجاوزةً ذاتي إليكَ 
و أنتَ مثلي 
يا شُفَوفَ النُّور 
يا وجدَ الأقاحِ 
خالعاً عنكَ أناكَ 
موصداً بابَ التَّمني 
ربما نتَّحدُ معاً 
في إغفاءةِ الكون 
كخمرٍ و ماء
رتِّل معي...
والشَّمس تجنحُ للغياب..
تجهشُ بالبكاء..
ياحبُّ...
يا نور النُّور 
يا نبع الوجود 
يا نهلةَ الإحسان
يا قُدساً تنزَّل
من فراديسِ الضِّياء 
حيَّ على قلبٍ و معرفةٍ 
على طلِّ الغيثِ الحلال 
يسري بأوردةِ اليباس 
فتقومُ ثانيةً كتموز 
تتناسخُ الشَّذرات 
تمسحُ جبهةَ الحنين
وتبتدئُ العطاء 
لا يُحجَبُ نورُكَ بظلِّ أنانا 
الموهومِ مقطوعِ الرجاء 
تقبلنا في ملكوتكَ يا سرَّ 
الوجودِ والبقاء 
تقبَّلنا...
فعشقُنا يفضحهُ حُزننا 
والزُّهد وتقيتنا البكماء..
ردّد معي...
( آمين )  
( آمين )

أولا.. البنيوية والتجنيس
ينتمي هذا النص لجنس الخاطرة الأدبية شكلا وموضوعا، فالخاطرة هي دفقة شعورية ٱنية، أو دفقات متلاحقة وذلك ما يجعل من وضع عنوان للخاطرة أمر يمكن الاستغناء عنه، وتقوم مقدمة النص مقام العتبة، ومن ثم يصح اعتبار صدارة النص بمثابة العتبة..
متماهيان في القدم
فجرٌ.. وحبٌّ.. في تراتيل الأزل
يمكننا إذاً استنتاج العتبة على نحو شفيف، تماهٍ
تراتيل، فجرٌ وحب، وترفدنا هذه المعاني بالتبعية لما سيأتي تفصيله لاحقا في مراحل التدفق الوجداني، ولا يخفى علينا سمات التخاطر الوجداني بداية من التصوير المجازي الموغل في عمق المخيلة، انتهاء إلى حالة البوح الشفيف النابع من غلالة الوجدان، ومن ثم فالخاطرة تجربة شعورية محضة، توضع في سياق لغوي رصين، مع استغلال المخزون القرائي لدى الكاتب بباقة متنوعة من المفردات البليغة.
ومن حيث الشكل الخارجي لهذا النص نلاحظ طريقة العرض الكلاسيكية، شطرات متعامدة تتميز بالاسترسال، وحسن التقسيم، فهي شطرات منفصلة متصلة في ٱن، مع إمكانية تمييز ثلاث مراحل بالنص.
مقدمة ووسط وخاتمة..
أما من حيث المضمون نستطيع تصنيف موضوع الخاطرة بالمسحة الصوفية المترفعة عن التجسيد والمغرقة في التجريد، وهذا ما نستلهمه بسهولة من مفردات وصور النص، 
ينسجان النور، من أناي، متجاوزة ذاتي، شفيف النور، ملكوتك، سر الوجود، وهكذا
ثانيا؛ التبئير focalization
كما يمكننا رؤية التبئير بشكل جلي في ثلاث محاور مترابطة تصب في وعاء واحد، أولها خطاب الذات أو الأنا، ثم خطاب الذات الإلهية في أكثر من موضع، ثم خطاب الٱخر في الخاتمة(ردد معي ٱمين)
هذا الثالوث هو محور الحياة بشكل كامل، الأنا التي تتعامل مع الٱخر على اختلافهما أو اتساقهما، ثم علاقة الأنا بالذات الإلهية، وتأثير الٱخر على الأنا في صلتها مع الله سواء بالسلب أو بالإيجاب.
ثالثا.. التكميم التفكيكي 
يسير السياق في اتجاه الشفافية والترقي، وهذا ما يدعمه كم كبير من سواء من المفردات أو الصور التخييلية على النحو التالي..
متماهيان، فجر، حب، تراتيل، النور، الزنابق، باسمة، الندى، الرقص، الغناء، الناي، أناي، هائمة، ذاتي، شفوف، أناك، كخمر، ماء، الشمس، نور، النور، نبع، نهلة، إحسان، قدسا، فراديس، الضياء، الحنين، نورك، أنانا، ملكوتك، سر، ٱمين.
ثلاث وثلاثين مفردة تضفي على النص معاني التجريد، وشفافية الروح، وغالبها تصب في بوتقة النور الداخلي في الإنسان متصلا بالنور الكوني الخارجي الذي يأتي من السماء، وكأن النص يدور في فلك الٱية من سورة النور..
الله نور السماوات والأرض.. الٱية
في مقابل هذا نجد القليل من المفردات المتعلقة بالدنيا، بعالم المادة لا عالم الروح، عالم الملك المرئي لا الملكوت الخفي 
مثل..
كهف العدم، طوح القبرات، أنغام راع، نهد السفوح، الأقاح، باب التمني.. وهكذا...
رابعا.. السياق والدلالات
على عتبة النص يمثل نظيران متعالقان هما الفجر والحب، إن العلاقة بينهما تتبدى عند مادة الفعل (فجر) أي شق، وما الحب إلا ناتج من تفجر المشاعر بالقلب، فضلا عن حالة النورانية التي يبثها الفجر في الأفق، فإن الحب كذلك يشع نوره في داخل القلب، وإذا كان الحب ينبثق بعد مراحل منتظمة من التعارف والتٱلف فإن الفجر يأتي بعد مرحلية فلكية منتظمة لا تخلف موعدها.
كذلك في التصوير.. متجاوزة ذاتي، خالعا عنك أناك، هذه إشارات لطيفة إلى تخلية الشعور من علائق الجسد ثم تحلية الذات بهذا الترقي والسمو الروحاني.
ويأتي ذكر عشتروت إلهة الحب والخصب والجمال كرمزية شفيفة إلى نفس حالة الترقي الوجداني والسمو بالعاطفة إلى بعد ٱخر غير ذلك الممزوج بحب الجسد.
حي على قلب ومعرفة..
لما كانت صيغة الأذان للصلاة تعتمد لفظة (حي) فكذلك ينسجم هذا التوجه مع حالة الشفافية الصوفية، لكن لماذا حي على حب ومعرفة؟
الحب لا يتأتى إلا بصحيح المعرفة خصوصا حب الذات الإلهية، وتلك المعرفة على اختلاف درجاتها هي الباعث على حب الله بمختلف درجات هذا الحب، وهو حب يصبح متبادلا بقدر هذه المعرفة، لأن صحيح المعرفة بالله يستوجب حتما حالة الإيمان والاتباع كما في قوله تعالى؛
قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله.
خامسا..
التصوير المجازي وبلاغة المفردات
الحقيقة أن النص ينطوي على مجازات عميقة شفيفة برغم أن موضوعه صوفي، وقد تخيرت منها ما سبق بالإضافة إلى..
راعٍ..
يسرح الناي على نهد السفوح
هنا مشهدية مكتملة فيها الصوت، والصورة، والحركة
الشمس تجنح للغياب.. تجهش بالبكاء
نفس المشهدية المكتملة صوتا وصورة وتفاعل
يسري بأوردة اليباس
تتناسخ الشذرات، تمسح جبهة الحنين
خاتمة
الحقيقة أن مثل هذه النصوص تمثل نوعا فريدا من الأدب، فأعتبرها نصوصا مفتوحة، مما يجعل من عملية النقد متسعة بلا حصر، يصح تناولها من الجانب السيكولوجي، البنيوي، الدال والمدلول، الرمز والتأويل، لذلك يمكن أن يقدم ناقد ما دراسة لهذا النص من زاوية معينة، ثم يقرأ النص من جديد ويجري عليه دراسة نقدية مختلفة باختلاف زاوية الرؤية والتذوق
شكرا للكاتبة على هذا الأدب الرفيع، واللغة المصقولة، والسياق المترابط.
 

 

 

...........................

الاخبار الثقافية والاجتماعية والفنية والقصائد والصور والفيديوهات وغير ذلك من فنون يرجى زيارة موقع نخيل عراقي عبر الرابط التالي :-

www.iraqpalm.com

او تحميل تطبيق نخيل

للأندرويد على الرابط التالي 

حمل التطبيق من هنا

لاجهزة الايفون

حمل التطبيق من هنا

او تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعي 

فيس بوك نخيل عراقي

انستغرام نخيل عراقي